إصلاح الفساد !!! – 1 –

د. عبد الناصر سكرية

تتوالى على أسماع اللبنانيين جملة من الأكاذيب والأقاويل الخادعة  المضللة تتستر تحت دعاوى الإصلاح والمساعدات ومحاربة الفساد..جميعها تستهدف تمرير سلسلة إجراءات خبيثة بعناوين جذابة مغرية..تتواطؤ في تمريرها جهات محلية تقف من خلفها جهات خارجية ..وتسوقها وسائل إعلام لبنانية بعضها شريك وبعضها مغفل وبعضها متواطىء..

تتمثل أبرز هذه الأقاويل في الأفكار والعناوين التالية :

1 – البنك الدولي يشترط الإصلاح الإقتصادي والمالي لقبول إقراض لبنان مئات ملايين الدولارات..

تنطوي هذه المقولة على مغالطة خطيرة تصور البنك الدولي ( أو صندوق النقد الدولي ) كمؤسسة حريصة على مصلحة لبنان وإنعاش إقتصاده بعد حل مشكلاته المالية والتشريعية..

والحقيقة أن التجارب الكثيرة التي بينت أو كشفت سياسات البنك الدولي منذ تأسيسه ، في كل البلدان التي تعاطى معها وأقرضها ؛ تؤكد أن قروضه ذات الفوائد المرتفعة ؛ كانت وسيلة إستراتيجية لفرض هيمنة ووصاية مالية – إقتصادية على البلاد المقترضة..هيمنة طبعا لصالح الجهات الرأسمالية العملاقة التي تمول البنك وتوجه سياساته وتضع له شروط الإقراض..وهي في أساسها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها المؤسسات الرأسمالية المفترسة المتوحشة..تعتمد في ذلك على عدة شروط أهمها :

أ – : الخصخصة أي إلغاء القطاع العام وتهميش دور الدلة في العملية الإقتصادية وبالتالي السياسية والإجتماعية..وتحويل هذه الفعالية إلى القطاع الخاص أي الرأسمالية المحلية التي ترتبط هيكليا ومصلحيا ووجوديا بالرأسمالية العالمية الكبرى..وتتبعها بالتالي سياسيا وعقائديا..الأمر الذي يعني إلحاق النشاط المحلي بالتوجهات الرأسمالية العالمية العامة..

ب – : عدم إستخدام الأموال المقرضة في أية مشاريع إنتاجية ..فتقتصر إستخداماتها على المشاريع الإستهلاكية (كالترفيه والمطاعم والأسواق الكبرى والملاهي والمنتجعات )..

أو على ما يسمى بالبنية التحتية كالطرقات السريعة والجسور والمطارات ..وهي مرافق تتطلب تكاليف عالية لصيانتها الدائمة..وعلى الرغم من أهميتها وضرورتها إلا أنها تكون فقط لتسهيل عمل وتنقل الإستثمارات الأجنبية والرأسمالية المحلية ، حينما لا تترافق بمشاريع إقتصادية إنتاجية ولا سيما الصناعية منها..وذلك حتى تبقى البلاد في مثلث الفقر والتبعية :

 – ألإحتياج الدائم للإستيراد ..

 – التبعية الإقتصادية للمقرضين والموردين..

 – البقاء في دوامة الأستهلاك دون الإنتاج..

فتبقى ساحة خدمات وإستهلاك وتبعية..

  ج – : تسليم الاموال لجهات سياسية موالية للرأسمالية العالمية حتى تقبل بكل شروطها وتبرم العقود اللازمة لذلك..

 – د : رفع الدعم عن السلع الحياتية الأساسية بما يؤدي إلى :

 – إرتفاع الأسعار..

 – زيادة التضخم والبطالة والفقر..

 – زيادة الفوارق الطبقية الإجتماعية

مع ما يعني هذا من التأسيس لإختلالات إجتماعية تزيد في حدة التناقضات المجتمعية وزيادة فعالية الإستقطابات الخارجية وإضعاف الطبقة الوسطى وتكدس الثروة والغنى في أيدي أقلية ضئيلة ..وتراكم الفقر والحاجة في جهة الأغلبية..

أن تكون الطبقة السياسية الحاكمة موالية للغرب الرأسمالي وتقبل شروط مؤسساته للإقراض والتمويل ؛ فهذا يعني أنها حكما تحتوي على كل عناصر الفساد وعدم الأمانة أو المصداقية الوطنية..وإلا لن تكون قادرة على قبول مثل هذه الشروط المسماة ” إصلاحا ” فيما هي وصاية وتبعية وإرتهانا ..

هذا في حال بلاد تحكمها سياسة تتمتع بشيء من الإلتزام الوطني تجاه شعبها وبلادها..فكيف الأمر في حالة كلبنان حيث الطبقة السياسية التقليدية الحاكمة لا تتمتع بأي قدر من المصداقية والأمانة والحرص على المصلحة الوطنية..بل وينخرها الفساد في عقلها وقلبها وكل مكوناتها المصلحية !! ..

وعلى الرغم من الآمال الكبيرة التي يعلقها اللبنانيون على العهد الجديد إنطلاقا من ثقة كبيرة برئيس الجمهورية ثم برئيس مجلس الوزراء ؛ إلا أن الضغوط الأمريكية الشديدة أسفرت عن إختيارات معيقة ومعرقلة لوعود خطاب القسم لا بل أنها ترسم الطريق الأكيد لوقوع لبنان رهينة الوصاية الأمريكية وشروط البنك الدولي التخريبية ..ولم يعد خفيا أن المعينين على راس المؤسسات المالية والإقتصادية يقعون ضمن هذه الدائرة المسيجة بالحماية الامريكية..وحتى أنهم جميعا يحملون الجنسية الأمريكية ويعملون كموظفين في أكبر شركات الرأسمالية المعولمة ..فهل يصلح هؤلاء لإصلاح مالي أو إقتصادي يخدم شعب لبنان ؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى