حزب الله منتظراً على شرفة المفاوضات الأميركية – الإيرانية

صهيب جوهر

تراقب الأطراف الإقليمية والدولية التركيز اللبناني والأميركي الجاري في ملف سلاح حزب الله والحديث المستمر عن سحبه، وخاصة مع توافد المبعوثين الأجانب الى بيروت، وكان آخرها نائبة المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، والتي حملت في جعبتها رسائل واضحة عن حزب الله وسلاحه، باعتباره وفق قولها “سرطان ينخر الجسد اللبناني”.

وبعيداً عن التحريض السياسي الحاصل بين حزب الله وخصومه في لبنان، والدخول في زواريب التنازع على المواقع السياسية، إلا أن الثابت في كل هذه المشهدية، هو التحولات الحاصلة في المنطقة، وخاصة في ظل المفاوضات بين واشنطن وطهران، والتي التقطها رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون بحديثه عن الحوار الثنائي بين الرئاسة اللبنانية من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، وخاصة أن النقاش الجاري مؤخراً عن تنازلات ستقدمها ايران في ساحات نفوذها السابقة تفتح الباب على دفع حزب الله للقبول بالوقائع التي أفرزتها الحرب من جهة، وسقوط نظام الأسد من جهة أخرى.

ولبنان الموضوع على لائحة اختبار دولية وإقليمية، دفع عون للحديث عن إمكانية استيعاب الجيش لعناصر حزب الله، لكن ليس عبر استنساخ تجربة الحشد الشعبي في العراق، وذلك قبيل زيارته التاريخية لدولة قطر، لأن الدخول في هكذا حسابات تحتاج لكثير من الدقة لحماية السلم الداخلي وخاصة أن التأثيرات السياسية والأمنية ما بعد الحرب لاتزال مؤثرة على الواقع الداخلي، على الرغم من كل المحاولات الحاصلة لإعادة تكوين السلطة وبناء الدولة.

لكن حزب الله بدأ الحديث عن مستلزمات للحوار على السلاح والانخراط في استراتيجية أمن وطني، معتبراً أن الممر الإلزامي لهكذا حوار يسلتزم انسحاباً إسرائيلياً من جميع الأراضي اللبنانية ومنع الخروقات والاغتيالات وتحريك ملف إعادة الإعمار، وهو بدوره سيبدي وفق ما يوحي إيجابية في سلاحه وسلاح المجموعات الأخرى، فلسطينية كانت أم لبنانية.

وهو ما يعني أن الحوار حول السلاح سيدخل في متاهات متشعبة، وخاصة أن الحزب يعول دائماً على يأس خصومه ومحاوريه المحليين أم الدوليين، وهذا السياق سيكشف ما سينتج من المفاوضات بين واشنطن وطهران، والتي ستكون حاسمة وستلامس النفوذ الإقليمي لإيران ومن ضمنه التركيبة العسكرية لحزب الله في لبنان، وجهازي الأمن والعسكر.

بالمقابل فإن الجانب الأميركي ينقل رسائل متعددة حول هذا الأمر، وخاصة أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف نقل عن ترمب للوفد الإيراني وجود مهلة زمنية لإنجاز المفاوضات مع إيران لا تتعدى الثلاثة أشهر. ما يعني أن مهلة واشنطن لإيران تشمل حزب الله في لبنان، أي نهاية الصيف المقبل.

من هذا المنطلق بدا مرشد الثورة علي خامنئي يحاول الإيحاء بأنه يدير بشكل شخصي ومباشر ملف المفاوضات، وتصريح خامنئي أن المراحل الأولى من المحادثات سارت بنحو جيد، يمكن تفسيره بأنه إشارة على لمساته المباشرة على هذه المفاوضات. وهي نقطة يضيفها المتحمسون في إدارة ترمب على رؤيتهم لمسار المفاوضات والتي تدفعه إلى الاستنتاج بأن ظروف إيران السياسية تجعلها ملزمة بالتجاوب مع إدارة ترمب واعتماد الرضوخ الاضطراري للتوصل إلى اتفاق هي بأمس الحاجة إليها.

لكن الفريق المتأثر باللوبي الإسرائيلي في واشنطن لايزال يشكك بفرضية الوصول لاتفاق جدي مع إيران، وهو باشر بحملة تشكيك داخلية حيال جدية نية الحرس الثوري الإيراني والمرشد من عقد صفقة مع واشنطن، وخاصة أن كل التجارب السابقة مع طهران تشي بأنها تعتمد على مبدأ إهدار الوقت لإغراق المفاوضات بتفاصيل شائكة بهدف إمرار المرحلة وانتظار ظهور مشكلات داخلية أو دولية أمام ترمب ونتنياهو، وبالتالي اضطراره إلى وضع ملف إيران جانباً والتفرغ لملفات تشغل الداخل الأميركي أكثر.

لذلك عمدت القيادة العسكرية الأميركية إلى إرسال العديد من القطع العسكرية البحرية إلى الشرق الأوسط، تحسباً لتطورات غير متوقعة، إضافة لنقل قنابل ذكية جديدة لإسرائيل، وهي مؤشرات واضحة إلى أن الخيار العسكري هو وارد بشكل أساسي، لأنه ورغم كل الأجواء الإيجابية التي سادت عقب جولة السبت الماضي إلا أن نسبة الفشل لاتزال مرتفعة، وهو ما يعني أن كل الاحتمالات ستبقى واردة في المستقبل.

والأكيد أن الجولة التفاوضية الثانية غداً، قد تنتقل من المشروع النووي الى ملف الصواريخ الباليستية وساحات الوجود الإقليمي، وهو الشق المرتبط بلبنان، وخلال الأيام الماضية سربت طهران تصريحات لرويترز على لسان مصدر في الخارجية أنها لن تتفاوض عن حزب الله والحوثي، وأن على واشنطن أن تندفع للحوار معهم، لكن المعلومة المؤكدة أن إدارة ترمب ستفرض على إيران وقف جميع أشكال الدعم لحزب الله والحوثي وجماعات عراقية على مستويات مالية وعسكرية، ما يعني إضعافاً مباشراً لهذه المجموعات مهما بلغ حجمها السياسي على اعتبار أن الملف هو المرتكز الرئيسي للتأثير السياسي في لبنان.

وعليه يمكن استنتاج أن كل التوجه الأميركي الجديد في المنطقة يسعى لحسم الأمور مع خصومها، والتفاهم على ملأ فراغها مع حلفاءها، وهي اليوم تبحث على سبيل المثال عن حلول تمنع أي مواجهة عسكرية بين أنقرة وتل أبيب، في موازاة حماية الأطراف العربية المتعاونة معها ومنع انهيارها، كما هي الحال في الأردن ولبنان، وذلك في انتظار فهم الخريطة الجديدة التي تريدها لسوريا ومستقبل إيران، بعد تدمير أذرعها عن المشهد السياسي والتي صنعت الصورة السابقة للمنطقة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى