
لم أدافع عن شخصه يوما. ولم أعلق بكلمة علي أي ممن هاجموه. رغم أني وبكل الفخر ناصري لم أنكر هويتي أو أتنكر لتاريخي السياسي أينما حللت.
تجنبت كليا تضمين مقولاته أو خطبه أو نتاج تجربته في أي نقاش أو تحليل سياسي مفضلا التركيز على الموضوع أو بالأدق حتى لا أتيح الفرصة أو أفسح مجال المناورة أمام المخالفين للتركيز على “حامل الرسالة” عندما تضعف حججهم في نقد الرسالة ذاتها.
أعترف أنني تخليت طوعا عن واجب التصدي للزيف والبهتان “المنظم” الذي تتابعت موجاته وتعددت مصادره ومنابعه ومسوغاته ومبرراته لتدفن سيرة الرجل وانجازاته بل وأخطاءه تحت ركام من كل اتهام وعكسه.
فعبد الناصر عند المتأسلمين كافة إلا ما ندر “شيوعي” وعدو أول للإسلام والمسلمين ملأ السجون بهم وعذبهم وقتلهم وهو نفسه في نظر الماركسيين عدو لدود للاشتراكية والاشتراكيين اعتقلهم وعذبهم وقمعهم وألحق ضررا شديدا بالاشتراكية ذاتها.
أصبح الدفاع عن قائمة مطولة من التهم عبئا إضافيا على كاهل على أي جهد ناصري للتصدي للاستعمار الجديد والكيان الدموي التوسعي والانفتاح ونخبته والمتأسلمين وتحريفهم للإسلام ذاته.
كنت ولازالت لحد ما أرى أن الهجوم هو خير وسيلة للدفاع وأن دفعنا للتخندق في مواقع الدفاع سيبدد أي جهد ناصري وسيحول التيار الناصري إلى تيار سلفي ماضوي لاسيما وأن غياب المعلومات واليقين وتلاعب أجهزة استخبارات وتيارات سياسية يجعل من الدفاع عملا عبثيا أمام طوفان من أمواج متلاطمة.
هنا ينبغي التفريق بصرامة بين الاختلاف مع عبد الناصر فكرا وممارسة فذلك أمر اعتيادي وحتى نحن الناصريون بيننا من اختلف معه في بعض الأمور وبين الذين كل همهم إزاحة الرجل وتجربته كليا سواء خدمة لمن استأجرهم أو طلبا لمنفعة منهم أو ظنا بأن تلويثه وإدانته تفسح لهم دروبا ضاقت أمامهم.
هذا الصنف الأخير نشر أكاذيبا يندى لها الجبين لفرط رداءتها وسذاجتها وعند الرد عليهم تفنيدا تنهال عليك الأكاذيب المعلبة من تشكيك في الإحصائيات وتزوير للصور وتدليس للمعلومات.
ليس هنا مجال سرد لتلك الأباطيل ولم تعد هناك حتى حاجة لمناقشتها. فالآن وأكثر من أي وقت مضى، وعبد الناصر تحت الثرى وتحت مرمى نيران دول عظمى وأنظمة قزمية وتيارات وأحزاب من أقصى اليمين إلى أدنى اليسار
انكشف أمر الذين رغبوا وعملوا على اغتياله حيا وميتا.
أولئك الذين باعوا حلم الوحدة العربية بالتصالح مع الكيان الأثيم لم يحصدوا سلما ولا كرامة ولا رخاء بل ودولهم “الوطنية” تحت نيران التقسيم الطائفي أو الإثني وبلا استثناء واحد رغما عن تعفير الجباه تحت أقدام العم سام.
والذين باعوا الف شركة ونيف مما كانت ملكية للدولة لا أرضا قطعوا ولا ظهرا أبقوا ولا سدوا رمق جوعى.
والذين ملأوا الدنيا ضجيجا عن أن عبد الناصر لم يحكم بما أنزل الله عندما واتتهم الفرصة أنزلوا بالمسلمين كل بلاء وأمعنوا فيهم قتلا وذبحا ونهبا ناهيك عن عمالة وتبعية لأمريكا ولحلفائها
حتى الذين تدثروا بالديمقراطية في مواجهة “دكتاتورية” عبد الناصر سقطوا تباعا والتهموا تمثال عجوة الديمقراطية عند أول مكسب مادي أو وجاهة .
كل أعداءك يا جمال رسبوا بامتياز سقطوا ومازالوا في السقوط الحر
قدموا بأنفسهم الدليل الدامغ على أنهم لم يقدموا لأمتهم سوى الوهم والأكاذيب.
لا استقلال بل تبعية مهينة وذليلة لا رخاء بل فقر مدقع زاحف لا ديمقراطية بل ديكاتورية رديئة بلا قناع. كلهم يا جمال فشلوا بعثيون إخوان رأسماليون رجعيون.
هذا الاعتذار للرجل الأكثر إخلاصا لأمته لا يعني بحال من الأحوال أي تغيير في استراتيجية التركيز على الرسالة وليس على حاملها فضلا عن أن خصومه قدموا بمالاتهم أبلغ دفاع عنه سيرة ومسيرة. فالولاء هو للحق والعدل ولأمتنا العربية.
المصدر: الوعي العربي