
لعلّ الوقت مبكّرٌ لتناول أيٍّ من مسلسلات رمضان الجاري، سيّما أن الماراثون الدرامي في بدايته، ولن يسمح الوقت ولا المزاج بمتابعة هذه الجرعة المكثّفة فيه. لم يختلف هذا الموسم عمّا سبقه من حيث الإنتاج الغزير لعدد هائل من الأعمال التي تراوح في مستواها بين المدهش والعادي المكرّر الذي تكفي مشاهدة حلقات قليلة كي يقرّر المتابع شطبه غير آسف، مثالاً المسلسل السوري “نسمات أيلول”، من إخراج رشا شربتجي، وبطولة نخبة من النجوم، طرحته الشركة المنتجة عملاً درامياً كوميدياً مشوّقاً، رغم أنه لا يمتّ إلى التشويق أو الكوميديا بأدنى صلة؛ مشاهد طويلة رتيبة، ومواقف مفتعلة، يضحك عليها الممثّلون فقط، غير أنه يمكن الإطلالة بعين الحذر والتمهّل على الأعمال التي حظيت بنسب مشاهدة عالية، بحسب إحصاءات مبكّرة غير دقيقة.
حين تتابع مسلسل “معاوية”، الذي أثار ضجّةً كبيرةً وجدلاً واسعاً، وتردد أن تكلفة إنتاجه بلغت مائة مليون دولار، وبغض النظر عن أسلوب الأسطرة الذي اعتمده الكاتب في طرح شخصية معاوية المركّبة الإشكالية، لأن ذلك حديث آخر، يصدمك كمّ المغالطات التاريخية والمبالغات غير المنطقية المضحكة في الديكور والأزياء. فقد أطلّت علينا هند بنت عتبة بملابس نوم من الساتان في بيت فاخر أندلسي الملامح، ما أثار موجة من السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن الإيقاع البطيء والحوار السطحي والإخراج التقليدي الرتيب، المثير للملل، ما يجعلك تتحسّر على زمن المخرج الراحل حاتم علي وأعماله التاريخية الفذّة، التي ينبغي أن تكون خريطة طريق لمن تسوّل له نفسه مقاربة التاريخ عبر الدراما.
تتوقّف طويلاً أمام مسلسل “البطل”، المُقتبَس من مسرحية “زيارة الملكة”، للراحل ممدوح عدوان، ومن إخراج الليث حجّو، وسيناريو رامي كوسا، وتمثيل بسّام كوسا ومحمود نصر، بالإضافة الى نخبة مميّزة من نجوم الصفّ الأول في سورية. تدهشك تفاصيل الضيعة المنسيّة، بشوارعها الضيّقة، وبيوتها الريفية الجميلة، وعلاقات الجوار وقصص الحبّ، والصراعات في أجواء الحرب الجاثمة على صدور السكّان، وتحبس أنفاسك وأنت تشاهد الأداء الأسطوري لبسّام كوسا في دور مدير المدرسة النزيه والنظيف، في زمن التلوّث والخراب. عمل فنّي متكامل خالٍ من الثغرات والسقطات.
وفي “تحت سابع أرض”، إخراج سامر البرقاوي، يسحرك تيم حسن، مثل عهده دائماً، وهو يؤدّي هذه المرّة دور الضابط، الذي يعمل في القسم الجنائي، ويحاول أن يظلّ شريفاً في ظلّ نظام سلطوي بائد قائم على الفساد والبلطجة. الجميل أن النصّ لم يحاول رشوة المتلقّي بتقديم شخصيةٍ صنميةٍ مبالغ في مثاليتها وطهرانيتها، بل قدّم لنا نموذجاً إنسانياً حقيقياً يحمل التناقضات كلّها.
وتحضر الدراما اللبنانية بقوّة هذا الموسم، في مسلسل “بالدم”، من إخراج فيليب الأسمر، وتمثيل ماغي بوغصن، ونخبة من نجوم لبنان، الذين أثبتوا حضورهم من دون الاتكاء على مشاركة سورية اعتدناها في معظم الأعمال اللبنانية. وقد أثار بعضهم أن القصّة مقتبسةٌ من دون استئذان من أحداث حقيقية لقصّة سيّدة لبنانية، اكتشفت بعد مضي 40 عاماً أنها استُبدلت في المستشفى بطفلة أخرى، كي تبدأ رحلة البحث عن عائلتها الحقيقية. ويبدو أن الحكاية ستأخذ مساراً مختلفاً قد يفاجئ الجميع.
حقّاً ما زال الوقت مبكّراً على إطلاق الأحكام النهائية على أعمال لم تنضج بعد، فالموسم في أوّله، ولا بدّ من تحوّلات ومفاجآت تستحقّ الإضاءة والالتفات، وما سلف كلّه انطباعات أوّلية.
المصدر: العربي الجديد