طمئنة السوريين تنطلق بالإعلان عن خارطة طريق للانتقال إلى الدولة الوطنية الديمقراطية .

محمد علي صايغ

سورية تمر اليوم بمحنة كبرى ، الاصطفاف الطائفي – للأسف – على أشده ، ووراءه وكالات إعلام وصفحات وصور وفيديوهات تعمل على تجذير الخطاب الطائفي ، وتصنع الفتنة ، وكل طرف يستجدي المظلومية ، في تصعيد طوائفي لم يبدأ الٱن ولكن تم العمل عليه خلال عقود أيام الأسد الأب والأبن ، باستخدام الأقليات من أجل استدامة حكمه واللعب على وتر حمايتها بمواجهة الأكثرية ، وتخويف الأقليات بأن الاكثرية تتربص الفرصة من أجل تصفية الحساب معها ..

المشكلة – مع مرور الزمن – لم تعد مسألة حكم ٱل الأسد أو زوالهم ، المسألة انغرست نتيجة الضخ السلطوي والخوف والتخويف ، وتحولت إلى هاجس استبطن العقول والنفوس ، كما أن السلطة أيضاً قد حولت امتيازاتها على أنها حق مشروع لأصحابها والدائرين بفلكها والطائفة التي يستثمرون فيها، فلم يعد يتصورون حتى في أعماقهم أن تغادرهم أو يتم سلبها منهم ، وكأن السلطة أصبحت أبدية تساوقاً مع أبدية ٱل الأسد وشعاراتهم الى الابد .. على الرغم من أن السواد الأعظم من بلدات وقرى الساحل كانت الأكثر فقراً ومعاناة ، وكان النظام البائد يستثمر فيهم إما بالتخويف أو برشوتهم في الانخراط بالجيش أو بوظائف الدولة دون أن يقوم بتقديم الخدمات والمشاريع الحيوية في مناطقهم ليجعلهم باستمرارأداة من أدواته ، والملجأ الوحيد هو لهم لا يستطيعون الانفكاك عنه ..

ماجرى في الأيام السابقة ، واستحضار ٱلية القطيع للكثيرين في هوس استعادة السلطة المفقودة أو هوس الثأر والانتقام ولوعلى حساب وحدة الوطن ، ولو كان ذلك بالعمل لمصلحة أجندات خارجية ، أو الالتفاف حول رموز من كانوا أيام النظام السابق الذين عاثوا نهباً وفساداً وتمييزاً وكانوا أيضاً من ضحاياه ..

لم يكن ماجرى صدفة ، بل كان كما تشير إليه جميع التقارير بأنه مخطط كبير يشمل مناطق في الشمال الشرقي والجنوب السوري ، تشترك فيه قوى داخلية وخارجية أعدت وخططت له ، كشكل من أشكال الانقلاب على السلطة الجديدة  ، تمهيداً لمخططات التقسيم، أو في الحد الأدنى فصل الساحل عن الوطن السوري واستعادة السلطة وإعادة الرموز الذين كانوا يستعبدونهم  في مناطقهم ، ولربما ينطبق على حالهم المثل الدارج ” القط يحب خناقه ” . مما أدى إلى حرب داخلية جديدة ، وفي الحروب لا ينصاع البشر للقيم والمبادئ والمعايير الإنسانية ، أذ أن الدم الذي يسيل من مقاتلي الطرفين المتصارعين وعلى أجساد رفاقهم بانتظار أن يصل الدم إلى أجسادهم وينهي حياتهم في طريق حرب داخلية قذرة ( الحروب الداخلية تحمل معها تركمات الماضي وعنف كامن يتفجر دفعة واحدة معها ) فإن ذلك يحول البشر إلى وحوش ضارية للدفاع عن نفسها ..

ولذلك فإن الحرب والعنف المترافق معها في ظروفها الاستثنائية لا يكون فيها أمام المحارب سوى واحد من خيارين : ” المجابهة بالعنف والقتل أو التحول إلى ضحية دائمة ونهائية ” ، إذ يتخذ السلاح واستعراضه – كما يقول الدكتور مصطفى حجازي – دلالة سحرية مبالغاً فيها ، وتتحول عملية القتال إلى البحث على النتائج العاجلة والحلول السحرية ، وإحلال العداوة والاضطهاد محل روابط المواطنة والمشاركة في المصير ، ويتشرعن فعل القتل والقتل الجماعي بمشروعية الدفاع عن النفس ، ويصبح واجباً للدفاع عن الذات وكرامتها أو الدفاع عن الجماعة ووجودها ” .

وإذا كان ما يجري اليوم من ضخ إعلامي طوائفي رهيب ، هو من أجل استمرار الاستنفار والتحفيز واستدامته ، فإن القضاء على الفلول وملاحقتهم في الأرياف والجبال لا ينهي الحرب مادام الاستنفار قائماً ، وما دامت الصور والفيديوهات والإشاعات والفبركات مع دعم خارجي قائمة لتجييش الغرائز الطائفية وإثارة الاندفاع القطيعي ، وتحريك عوامل الثأر والانتقام واستثارتها استعداداً لحرب جديدة ..

ومن هنا على القيادة الجديدة ، أن تعي مخاطر الحروب الداخلية على الدولة السورية وعلى النسيج الوطني السوري ، وأن تبدأ فوراً بعملية تقييم عميقة لدورها وأدائها خلال الأشهر المنصرمة ، وهذا يتطلب اتخاذ الإجراءات الحاسمة للانتقال إلى الدولة المدنية الديمقراطية ، وقبل ذلك فإن المبادرة وإعلان الرئاسة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق خطوة مهمة لا بد أن يتبعها تأسيس هيئة عليا للعدالة والمسامحة الانتقالية مع جبر الضرر تقوم بواجبها بملاحقة كل من تلطخت يده بدماء السوريين بالماضي واليوم بعد الأحداث الأخيرة ، كخطوة لا بد منها على طريق إرساء السلم الأهلي ، وأن تتحرك بشكل عاجل بتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة متنوعة وشاملة ، وإعادة هيكلة الجيش على أساس مهني ووطني لا على أساس فصائلي ، وأن تدعو إلى مؤتمر وطني جامع وليس مجرد مؤتمر حوار وطني ، وأن يتم التحضير لهذا المؤتمر بعناية فائقة بما يمثل جميع القوى المدنية والسياسية ويأخذ بالاعتبار مشاركة الطيف الوطني ، من أجل أن يكون المؤتمر مرجعاً فعلياً لكل القضايا المفصلية في المرحلة الانتقالية وعلى رأسها تأسيس هيئة تشريعية على أساس الانتخاب من المؤتمر الوطني ، واختيار لجنة لصناعة الإعلان الدستوري ، وانتخاب هيئة تأسيسية من المؤتمر الوطني لإعداد الدستور الدائم للبلاد ، ولجنة لإعداد قانون انتخابات عصري يقود إلى انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة وذات مصداقية في نهاية المرحلة الانتقالية ..

بمثل هذه الإجراءات وإعلانها ورسم خارطة طريق معلنة وواضحة لها ، تتقدم الإدارة الجديدة للبلاد برسائل طمئنة واطمئنان لكل الشعب السوري ، وبانها عازمة على الانتقال إلى دولة المؤسسات دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ، دولة المشاركة الواسعة لكل السوريين في بناء الدولة الوطنية الواحدة الموحدة التي تضمن الحرية والعدالة وسيادة القانون ، وتضمن اصطفاف كل السوريين ضد  المتٱمرين على خراب الدولة في الداخل والخارج .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى