صديقي وأخي وحبيبي عمر حرب

حسن صبرا

عندما ولد ابني عمر في 1/9/1985 , قال كثيرون ان حسن صبرا أطلق اسم عمر على مولوده الجديد تيمناً باسم صديقه عمر حرب ، حيث كان معروفاً للسياسيين والحزبيين ان عمر حرب وحسن صبرا هما ضمن قيادة الاتحاد الاشتراكي العربي ، وأنهما كانا ضمن قيادته طيلة الفترة من 1974 حتى العام 1981…

وواقع الأمر انني اطلقت اسم عمر تيمناً وحباً وفهماً لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وكنت وما زلت اعتبره السياسي الاول في الدعوة ثم الحكم الاسلامي بعروبته الحضارية الواضحة … وكان عمر حرب واضحاً ايضاً في عروبته .

في الاتحاد الاشتراكي العربي، وبعد انتخابات جرت فيه ،تحت اشراف القيادة القومية للطليعة العربية ، وهو التنظيم السياسي السري الذي اسسه جمال عبد الناصر عام 1965, وأطلق عليه في مصر اسم طليعة الاشتراكيين ، وكان عبد الناصر هو اول عضو فيه ، وكان

الهدف هو تثوير التنظيم السياسي ” الاتحاد الاشتراكي العربي ” الذي كان يضم ستة ملايين عضو، عقدت القيادة المنتخبة اجتماعها لإختيار امين عام الاتحاد، الذي سيكون حكماً امين عام التنظيم الطليعي في لبنان ، رشحت الاخ عمر اميناً عاماً لكن ابو حسين عمر رشحني أنا …لم أتراجع عن ترشيحي له ، وهو لم يتراجع عن ترشيحي …

طال الوقت حتى تدخل عضوا القيادة القومية علي فتال ومخلص صيادي ، وقدما اقتراحاً بأن يعتبر جميع أعضاء اللجنة التنفيذية ( القيادة) مرشحون لمنصب الامين العام، وبعد الموافقة على هذا الاقتراح ، تبين ان عمر ظل على ترشيحه لي وانا ظللت على ترشيح عمر …فحصل عمر على اربعة اصوات ، وحصلت أنا على اربعة اخرى ،لكن الحسم جاء من الصوت التاسع ( عدد اعضاء اللجنة التنفيذية في التنظيم الطليعي ، كما هو عدد اعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي في عصر جمال عبد الناصر وهو رئيس الجمهورية العربية المتحدة، وقائد التنظيم السياسي .فصار ابو حسين عمر ( تمييزاً له عن ابو حسين عبد الرحيم مراد الذي شغل هذه المسؤولية ايضاً عدة مرات)

    وفي واحدة من الالتزامات الاخلاقية بيني وبين الاخ عمر ، اتفاقنا على اننا يجب ان نلتزم مسار عبد الناصر الاشتراكي ، بألا نمتلك شيئا ‘ بل يجب ان نكون اشتراكيين غير ملاك ..كما هو عبد الناصر .

كان لدي شقة صغيرة في منطقة الشياح في ضاحية بيروت الجنوبية، اشتريتها من خالي المرحوم محمد زين العابدين حمدان ، وكان تاجر مباني معروف ،بمبلغ 16 الف ليرة لبنانية، وكان سعرها الحقيقي 20 الف ليرة لبنانية ، وأجرها لي خالي لعائلة سورية ، بمبلغ 225 ليرة شهريا، وكنت ادفع مثل هذا المبلغ من راتبي في شركة مشاريع التدفئة والتبريد التي وظفني فيها مدير المبيعات المهندس محمد شاهين ( وهو الآن واحداً من اخلص اصدقائي)

باع خالي شقتي بمبلغ 40 الف ليرة ، سددت بها ما تبقى من ثمن الشقة لخالي والباقي وزعته على العائلة.

وباع عمر ما يملكه شخصياً ، في بلدته البقاعية في المرج ، وظل له نصيبه في الشراكة مع اشقائه وشقيقاته ..

إلى هذا الحد كان التماهي بيني وبين الاخ عمر حرب ضمن قيادة الاتحاد الاشتراكي وفي التنظيم الطليعي ، وفي الالتزام المبدئي، غير ان هناك ان

امراً طريفا ا ذكره هنا ، وهو انني اطلقت على الاخ عمر صفة مفتي الديار المصرية، حيث كان وما زال معروفاً ( كما نشاهد في الافلام المصرية ) ان القاضي الذي يعلن الحكم على اي مجرم بالإعدام ، يقول بإحالة أوراق المتهم إلى مفتي الديار المصرية..كل من يحكم عليه بالإعدام ، وكنت امزح مع زميلنا احمد قبيسي ( رحمه الله ) قائلا: كل قضية تحول إلى الاخ عمر من القيادة تعني انها محكوم على صاحبها بالإعدام ، لأن عمر كان متشدداً ، لا يهادن لا يفرط … وكان هذا من طباعه وسلوكه وتشدده حتى على نفسه ..

ولم يكن غريباً ان يكون عمر حرب هو القائد العسكري في الاتحاد الاشتراكي العربي ، مع التذكير بان الاتحاد تم إعلان قيامه من خمس تشكيلات ناصرية في بيروت والبقاع عام 1974, وان الحرب الاهلية في لبنان بدأت عام 1975 ، وان علاقتنا مع ليبيا بدأت في تلك الفترة، حيث أغدقت علينا بعدها بالمال والسلاح ، وبعد حرب السنتين ، أعطتنا ليبيا المال الوفير لبناء مؤسسات تربوية وثقافية وطبية واعلامية ، كانت مجلة الشراع احداها ، إلى جانب تراخيص جريدة السياسة ومجلة القلم الصريح ….

كان عمر اشدنا حماسة لمواجهة جيش حافظ الاسد الذي أطبق على لبنان بتكليف من هنري كيسنغر ، وقد واجهه عمر حرب بشجاعة ، حتمت عليه ان يترك منزله في بلدته المرج ، وان يخرج إلى مزارع البقاع لفترة ، ثم يأتي إلى بيروت ليبقى بيننا حيث مقر قيادة الاتحاد الاشتراكي .

كان عمر حرب هو القائد الفعلي للاتحاد الاشتراكي ، رئيساً للجنة العسكرية ، وفي اجواء الحرب كان يمكن للأخ عمر ان يسيطر على التنظيم ، لكن انضباط والتزام ومناقبية عمر حرب كانت فوق مستوى الشبهات ، فما كان يخالف بحجم شعرة التزامه التنظيمي ، وما كان يرضى اي تجاوز ، وما كان يتهاون في مسألة الضبط والربط ، وكنا ندعوه احياناً للمرونة ، فكانت المرونة في رأيه خروجاً عن الالتزام التنظيمي ، وكانت اهم اجتماعات عمر هو اجتماع اللجنة العسكرية بقيادته ، وكان التزام اعضائها فيها اقوى وأكثر فاعلية والتزاماً، من فعالية والتزام معظم الاعضاء التنظيميين اي المدنيين .

وواقع الأمر ان الاخ عمر بنى جسماً عسكرياً للاتحاد الاشتراكي العربي ، كان مفخرة في كل الاستحقاقات التي واجهت لبنان وحركته دفاعاً عن عروبته ، وعن المقاومة الفلسطينية ،طيلة سنوات…. غير ان من حق عمر حرب واخوانه وكل من احبه وعرفه ، ان يفتخر بتلك المواجهات التي خاضها الاتحاد الاشتراكي العربي ضد العدو الصهيوني خلال اجتياحه لبنان وصولاً إلى حصار بيروت طيلة صيف 1982 .

ولا انسى خوفي وقلقي ودعائي بالحماية والرعاية الالهيةًلعمر حرب ورفيقه الراحل الكبير والصديق الأصيل صارم السامرائي ( ابو صالح ) خلال المواجهات مع العدو الصهيوني الذي أطبقت قواته على بيروت الغربية طيلة اشهر …كنا نستقبل خلالها اهالي حي شارع داوود ابو شقرا المسلمين والمسيحيين ، وعرباً من جنسيات مختلفة ( يمنيين وسوريين ومصريين وفلسطينيين)في ملجأ مبنى الشراع طيلة الحرب والقصف الجوي الصهيوني على بيروت ، حين كان عمر وصارم يجولان على جبهات القتال من عين المريسة إلى الجناح ، حيث نشر عمر حرب مدفعية 130 في مرابض ضمت مدافع مختلفة ، وعشرات المقاتلين ومنهم ملحم الحجيري ( النائب الحالي ) وبسام ( ابو عرب ) رحمه الله، وابو حاطوم ، وعبدو زيتون ومحمد غنيم ، وغيرهم..

وهذه المجموعة غنمت دبابة صهيونية حاولت اقتحام خلدة ، فقتلت جنوداً وهرب آخرون ثم قادوها إلى الأوزاعي حيث صادرتها جماعة امل ، لكن صور المجموعة التابعة للاتحاد الاشتراكي العربي امتطت الدبابة والتقط الأعلام صورهم التي ما زالت حافرة في ذاكرة الجميع،

—————————

      آخر قائد مقاتل في بيروت اسمه عمر حرب

———————

سننشر رسالة وجهها ضابط صهيوني من محتلي بيروت إلى الأخ عمر حرب مع التاريخ، وفحواها ان مقر الاتحاد الاشتراكي الرئيسي في بيروت ، هو المقر الوحيد الذي ما زال يقاتل اسرائيل في العاصمة ، بعد اخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، من بيروت .

وقبل إعلان قيام جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ..( جمول ) التقى الاخ عمر حرب في دمشق امين عام الحزب الشيوعي اللبناني المناضل جورج حاوي ، الذي جاء يعرض على حرب المشاركة بقوات الجبهة المقاومة ضد العدو، بعد ان اظهر الاتحاد الاشتراكي ومناضليه بسالة وفعالية في مواجهة العدو ..

وهكذا

ابلغ حرب ابو انيس استعداد مقاتلي الاتحاد الذين ما زالوا صامدين كامنين في الجنوب المحتل ، للمشاركة الواسعة في المقاومة …

وبعد

هذه نبذة مختصرة عن المناضل الطليعي عمر حرب ، اكتبها وهو على فراش المرض يعاني من مشكلة كبيرة في الرئة ، وكان ابو حسين حرب مدخناً بشراهة ، يشرب السكر مع قليل من الشاي ، ويأكل الملح مع قليل من الطعام ويلتزم النظام مع ندرة في المرونة

وآخر الكلام ان المناضل الصلب العنيد عمر حرب بدأ يستشعر ضعفاً ،عندما توفيت ابنته الصبية ، وبعدها رحلت السيدة الفاضلة زوجه الحاجة حياة … صار تعلق عمر بالحياة يوهن يوماً بعد يوم ، فيمتنع عن تناول الطعام، ويتوقف عن الكلام ، ويلتزم الفراش كالصمت مكتفياً بالإشارة عندما ينقل له نجله حسين تحيات الأصدقاء الذين يسألون عنه .

يا صديقي ويا اخي عمر حرب لك الله انه نعم المولى ونعم النصير والوكيل يا رحمان يارحيم

المصدر: الشراع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى