عندما يبتزّ ترامب الأردن

حاتم رشيد

يتبنّى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حرفياً مشروع التهجير الإسرائيلي، والبداية من غزّة. لم يُظهر أي تعاطف وأي شعور إنساني تجاه الكارثة فيها، وعندما يصف غزّة بأنها مدمّرة، يرى أن هذا يقتضي نقل السكان إلى الأردن ومصر، مع تلميح واضح بأن نقل السكّان تهجير دائم. وهو الذي كانت كل تصريحاته تركّز فقط على الأسرى الإسرائيليين في غزّة. وأبدى اهتماماً مستفزّاً لأي شعور إنساني بثلاث فتياتٍ إسرائيليات، متجاهلاً معاناة الملايين ممن قُتلوا وجوّعوا وشُرّدوا.
ولم ينطق مطلقاً بأي كلمة تعاطفٍ مع أهل غزّة المنكوبين. إنه لا يدّعي الشفقة عليهم، وإنما يمتثل لرغبة إسرائيلية بتهجيرهم. لم يقترح مساعدة لهم، ولم يقترح تأمين إيواء لهم في أرضهم، بل تهجيرهم إلى أقطار عربية أخرى. لو كانت نيته المساعدة لاقترح إيواء مؤقتاً في فلسطين نفسها. في غزّة، في النقب، في جنوب فلسطين، حيث مساحاتٌ شاسعة غير مأهولة، وهي الموطن الأصلي لمعظم أهل غزّة من اللاجئين الذين هجّروا منها بالقوة القاهرة عام 1948. وواضحٌ ما يريده ويفهمه، أن كل فلسطين مستعمرة إسرائيلية، ولا مكان فيها لأهلها الذين يريد تهجيرهم إلى الأردن ومصر وغيرهما.
علّق المساعدات المالية المخصّصة للأردن، ثم يكلف نفسه عناء الاتصال بالملك عبد الله الثاني طالباً منه القبول بمشروع التهجير الإسرائيلي. وفي هذا يتبنّى خطة الحسم لأقصى اليمين الصهيوني، وجوهرها التهجير والاستيلاء والاستيطان في كامل الوطن الفلسطيني.
غزّة اليوم والضفة الغربية غداً، فمشروع التهجير الزاحف من غزّة إلى الضفة الغربية يستهدف الأردن وفلسطين معاً. وبذلك يصبح الأردنيون والفلسطينيون في مواجهةٍ مع المشروع الصهيوني الذي أصبح مشروعاً أميركياً بلسان الرئيس ترامب، لكن هذا المشروع المُعلن ليس قدراً لا يردّ، ومن الضروري ومن الممكن مقاومته، وصفة المقاومة تعني أن يتمسّك الشعب الفلسطيني بوطنه، وأن يقاوم الأردن بكل قدرته وطاقته السياسية والمادية مشروع التهجير. وكانت الحكومات الأردنية قد أعلنت مرّاتٍ عديدة أن التهجير هو إعلان حرب، وأن الأردن سيقاومه بكل قوة.
آن الأوان أن يتصدّى الأردن رسمياً وشعبياً لهذا المشروع الذي يهدّد الأردن وجودياً. وبما أن مصر تقع تحت طائلة التهديد الأميركي، فعلى عمّان أن تنسق مع القاهرة، وغيرها من العواصم العربية، لتشكيل حائط صد مانع ومقاوم للخطة الإسرائيلية الأميركية، فالرئيس ترامب الذي اختار طاقمه السياسي من غلاة المتطرّفين التوراتيين يمكنه أن يتخذ أسوأ المواقف والقرارات بحق فلسطين والأردن.

سلام ترامب هو السلام الإسرائيلي، سلام التهجير والاستيطان والضم، والانتقال التنفيذي إلى مشروع الوطن البديل في الأردن

في يومه الأول في البيت الأبيض، ألغى عقوباتٍ رمزية سابقة أقرتها الإدارة السابقة بحق مستوطنين يهود، ثم رفع حظراً مؤقتاً على قذائف نوعية وسمح بإرسالها إلى إسرائيل. وهو يطلب من السعودية أن تضخ تريليون دولار في الأسواق الأميركية، ويتحدّث عن توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية. وعندما يتحدث عن السلام وإنهاء الحروب عبر الضغط والتهديد إنما يتحدّث عن السلام كما تفهمه إسرائيل.
سلام ترامب هو السلام الإسرائيلي، سلام التهجير والاستيطان والضم، والانتقال التنفيذي إلى مشروع الوطن البديل في الأردن. يثبت ويبرهن عملياً أن كل ما قيل عن علاقات وصداقات مع مراكز صنع القرار في أميركا هي أوهام وخداع النفس.
وهل الأردن أو الضفة الغربية يعنيان الرئيس الأميركي الذي يهدّد بضم بنما وغرينلاند وكندا، وهو الذي صرّح علناً برغبته بتوسيع مساحة الكيان الإسرائيلي. إنه شخصية متقلّبة براغماتية، لكنه يظل الأقرب لإسرائيل وماضيه يثبت ذلك، وفي تقلّبه يستبعد تماماً أن يبتعد عن دوائر التأثير الصهيونية. وبتبنيه مشروع التهجير الإسرائيلي، يدفع ترامب الأردن إلى قلب الزلزال الذي ما زال يهزّ الشرق الأوسط، ولا تتوقف تداعياته.
يترك الرئيس الأميركي للأردن خياراً واحداً، وهو رفض قاطع لمشروعه، ومقاومته بكل طاقته الوطنية لإعادته إلى موقفٍ أقلّ عدوانية، يتخلى فيه عن مشروع يهدّد بتفجير الأردن. يستطيع ترامب أن يوقف المساعدات المالية، وهي أصلاً ضئيلة. ومن المؤكّد أن الأردن يستطيع أن يعيش بدونها، ويمكنه تعويضها أولاً بترشيد الإنفاق على المستويين العام والخاص. وثانياً الاستعانة بجهاتٍ عربيةٍ ودوليةٍ أخرى.
لن يرسل ترامب جيشاً لإجبار الأردن على قبول تهجير يقود إلى انتحاره. كما لا تستطيع إسرائيل التحرّش بالأردن، لأنها في وضع استراتيجي معقّد، خاصة أن لدى الأردن قدرة مؤكّدة على التصدّي الفعّال والقوي لأي عدوان إسرائيلي مباشر. ويستطيع الأردن أن يراهن على تماسكه ورهانه الصلب ووحدته الوطنية المؤكّدة والحاسمة في صراع وجودي. وفي كل الحالات، كلفة مقاومة المشروع الإسرائيلي الأميركي أقل بكثير من كلف قبوله. ومن الصواب أن نرى هذا المشروع يكتسب قوة دعم هائلة مع انضمام واشنطن إليه، لكن هذه ليست ضمانة نصر أكيدة، وفلسطين والأردن ليسا رقماً طيعاً، وليسا بدون قدرة على إفشال المشروع الإسرائيلي الذي يتبناه ترامب.
الشعب الفلسطيني متمسكٌ بوطنه الذي رواه بالدماء في صراع الأجيال. وقبوله بالتهجير والتخلي عن وطنه فرضية ساذجة. لذا يبدو أن لا أحد أخبر ترامب بما تعنيه فلسطين لشعبها. وبالقوة نفسها، الثقة مكينةٌ بقدرة الأردن على إفشال مشروع التهجير، ومن حقّه وواجبه أن يقاومه بكل القدرات والوسائل المتاحة.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى