بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وخسارة المانيا وحلفائها الحرب ، وما حل بها من دمار ، تداعت جهود الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية المنتصرة الى إطلاق مشروع عام 1947 وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي لإعمار المانيا والدول المتضررة ، سمي ب{مشروع مارشال} خصصت له ميزانية هائلة ، وعلى ضوئها تشكلت ( منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي ) التي ساهمت في اعمار وتشغيل المصانع والاقتصاد ورفدها بأحدث التكنولوجيا الغربية والأمريكية ، وهو ما جعل ألمانيا تنطلق من جديد وتكون دولة متقدمة تكنولوجيا ، واقتصادها من أهم اقتصادات الدول العالمية ، رغم أن مشروع ألمانيا الأيدلوجي كان نازيا ، والجيش الألماني وحلفاؤه إحتل بعض الدول الغربية ودمر بناها التحتية ، لكن العالم الغربي لم يترك الشعب الألماني فريسة لصراع الأجندات الدولية ودعاة الفكر النازي المتطرف .
فقد تحرك المنتصرون بعد وقف الحرب وقدموا مشروع الاعمار لعدة أسباب أهمها .
أولا.. محاصرة الفكر النازي وعدم إعطاءه المجال لإستغلال مخلفات الحرب وإعادة تغلغله بين صفوف الشعب المتضرر .
ثانياً.. إن الدول المنتصرة المحتلة وفق القانون الدولي تتحمل مسؤولية اعمار الدول الخاسرة .
ثالثاً.. التخوف من المد الماركسي ومنظومة الاتحاد السوفيتي السابق لإستغلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية الصعبة التي مرت بها شعوب الدول الخاسرة ..
إن الدول الغربية لا يجمعها عامل موحد ، ولديها لغات متعددة وتضاريس جغرافية صعبة ، وفيها قوميات وأعراق متنوعة ، لكنها تداعت فيما بينها وأجبرت العالم على تبني مشروع مارشال الاقتصادي .
هذه تجربة من تجارب العالم علينا أن نستلهم منها درساً كبيراً ، فأشقاؤنا السوريون يعيشون تجربة قريبة التشابه من التجربة الألمانية حيث الدمار نتيجة مخلفات الحروب والحصار ، والشعب السوري الذي ينزف دما واقتصادا منذ عقد ونصف ، وهو لم يبخل يوماً في تقديم الدعم والمساعدة لأشقائه العرب والمسلمين ، فقد كان (البيت الٱمن) وقبلة لكل مضطهد في العالم ، فلماذا يترك تحت مقصلة البرد والمجاعة والظلام الدامس ونقص الأدوية ؟ وانتشار الفقر المدقع والأمراض الاجتماعية والنفسية والصحية بين عوائله .
سورية لم تغزوا دولة ما ، إنما تغير نظامها ، ونحن مع إرادة شعبها ، يجب الوقوف ومساعدتها في تخطي ظروفها العصيبة ، وتقديم الحلول المناسبة والصيغ المقبولة لإشراك جميع شرائح المجتمع في الادارة والإعمار ، وعدم تركها فريسة للأجندات الخارجية المتعددة ، فنحن أشقائهم ونتأثر باوضاعهم .
لقد تم الإعتداء على سورية من قبل إسرائيل وأمريكا والدول الإقليمية .
فلماذا لا يطرح مشروع «مارشال عربي إسلامي» للمحافظة على سلامة الأراضي السورية ووحدتها وإعادة إعمارها ؟
أين دور جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي من التمدد الإسرائيلي واقتضام ثلث الأراضي السورية ؟
أين دور الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية ؟
مرة أخرى أوجه ندائي إلى بلدي العراق وأطالبه بالإسراع في تزويد محطات الطاقة الكهربائية السورية بالنفط الأسود ، وتقديم مساعدات غذائية عاجلة للشعب ، فما يحدث في سورية ينعكس سلباً كان أو إيجاباً على الأمن القومي العراقي .
كما أتوجه إلى الدول العربية والإسلامية ، وفي مقدمتهم دول الخليج العربي ، وأطالبهم بأخذ زمام المبادرة والإسراع في وضع خطة إعمار متكاملة ، وميزانية لها رقم مالي واضح ، والتحرك لإقناع جميع دول العالم للمساهمة في إعادة بناء البنى التحتية والاقتصادية السورية ، وتعويض المواطنين عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة تلك الحرب التي مولتها وشاركت فيها دول العالم أجمع .. كي يتجاوز السوريون الفوضى والإرهاب ويشرعوا في بناء سورية الجديدة .
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ال عمران 104