رسالة في روح الأخلاق والمواطنة لابد منها، وأتمنى من الجميع إيصالها

د. مازن أكثم سليمان

هذه الرسالة ليست موجهة إلى البسطاء والمغلوب على أمرهم، أو لمن خضعوا لسلطة العصابة المتوحشة مرغمين من شعبنا العظيم، فأنا وغيري نعرف ما تعرض له هذا الشعب الكريم من تسلط وتنكيل وظلم وتخويف، ولذلك فهذا الكلام في عمقه هو دفاع عن جميع أطياف الشعب السوري، وهو دفاع أيضاً عن الحرية والعدالة الانتقالية ومحاولة البعض خلط الأوراق واللعب بعدَّاد الزمن وميزان الأخلاق والعدالة والوطنية تحت شعار التسامح والتعددية وحرية الرأي..

 … رسالتي هذه موجهة لمن تصدروا المشهد التشبيحي طوال ١٣ سنة ونيف من فنانين وإعلاميين وأكاديميين ومثقفين وتجار ووو…… إلخ، وغطوا (وهذا أقل وصف كي لا أقول شاركوا) القتل والمجازر والتهجير والتعذيب في المعتقلات وجرائم الكيماوي وقصف المدنيين والبراميل المتفجرة ومحاصرة المعارضين وملاحقتهم في كل حدب وصوب، ولم يكن ذلك لأنهم مجبرون أو مضطرون كما يحاولونَ الادعاء؛ بل دفاعاً عن مصالحهم ومكتسباتهم الرخيصة والقذرة وغير الوطنية ولا الأخلاقية أو الإنسانية..

… في الوقت الذي كنتم تنافقون وتلاحقون مكتسباتكم راقصين مع القاتل والمجرم، كانت خيرة من شباب وشابات ورجالات ونساء سورية (وحتى من الأطفال وكبار السن) تموت تحت التعذيب في المعتقلات، وكثير من أهل سورية كانوا يموتون جوعاً ويأكلون أوراق الشجر تحت الحصار في مناطق ومدن وأحياء كثيرة، وكان آلاف السوريين يغرقون في البحار، وملايين السوريين يموتون برداً أو من نقص الغذاء والدواء في المخيمات، وكان التمزق والأسى والقهر والانهيار يفتت قلوب الأهالي والأمهات على فلذات أكبادها..

… في ذلك الوقت، ويا له من وقت طويل جداً، كنتم تشربون نخب الدم و(الانتصار) كما تتوهمون مع السفاح المنحط، وتسخرون من أبناء شعبكم، ومن آلامهم، وتسخفون أحلام الحرية وتطلعات الناس إلى العدالة والقانون والخلاص..

… نعرف أنكم انتهازيون ورخيصون.. لكن اصمتوا على الأقل في هذه اللحظات القاسية والحساسة ونحن نترقب بأعصاب مشدودة ومكلومة إنقاذ من تبقى من المعتقلين، حيث تظهر كل هذه الصور والفيديوهات التي تفوق بمحتواها الموجع التصور والعقل والمخيلة، ولعمري قصة كل معتقل وتجربته ونحوله وفقدانه وعيه تستحق ألف ثورة وثورة، وهذا بانتظار كشف المقابر الجماعية التي تضم آلاف الشهداء من المعتقلين تباعاً للأسف..

… اصمتوا فقط كي تحتفظوا ببعض الكرامة البشرية واحترام الذات، هذا إذا كان ذلك موجوداً عندكم، وبلا قفز وتكويع وتذاكي بضرب وطنيات و(ثوريات) متأخرة جداً يا منافقين، فالأمور واضحة ومكشوفة من ١٣ سنة حتى بالنسبة للطفل الصغير، ومواقفكم كانت واضحة وصريحة، وبعضها كتبتوه قبل ساعات أو أيام من سقوط المجرم، والتغيير العظيم الآن بعد كل هذه الفاتورة الوطنية الباهظة لم يعد يقبل عقد صفقات تشبه تفكيركم المنبطح الممسوخ..

… هذا الموقف هو في اعتقادي في صميم العدالة الانتقالية كي لا تختلط الأوراق والمفاهيم، وفي عمق بناء وطن مؤسساتي ديمقراطي وعادل للجميع، وهو يتمم تشييد مشهد التسامح وحرية الرأي، ولا يتناقض معه، فخلافنا مع من وقف مع الجلاد من هذه (النخبة) الانتهازية القذرة تحديداً، ليس خلافاً حزبياً أو نقابياً أو سياسياً، لنتحدث عن حرية الرأي وتعدديته؛ إنما هو خلاف يمس جوهر الحرية والعدالة والمواطنة والأخلاق، بعد ثورة شعب هجر منه أكثر من عشرة ملايين، واستشهد واعتقل منه ما لا يقل عن مليونين..

… فقط.. اصمتوا واصمتوا واصمتوا، وأكملوا حياتكم الشخصية والاعتيادية، ولا نطلب منكم شيئاً آخر..

تحيا سورية وشعبها الحر الأبي.

زر الذهاب إلى الأعلى