هل يستوعب النظام السياسي العراقي الدرس؟

إياد الدليمي

لا بدَّ من القول، بداية، إنه لم يعد بالإمكان فصل الملفات في المنطقة، فلا يمكن الحديث عن ملف فلسطيني من دون ملف لبناني أو سوري أو عراقي، أو حتى يمني وإيراني، فما يُراد للمنطقة كبير جدّا. ومن هنا، الحديث عن أي ملفٍّ اليوم يلزمه بالضرورة حديثٌ عن ملفّات أخرى.

ما زال النظام السياسي في العراق غير مدرك هذه الحقيقة، أو حتى إن كان مدركاً، يبدو من دون فاعلية تُذكر للتكيف مع الوضع الجديد والقادم، بل ربما يكون، في بعض الأحيان، مغيّباً ومنشغلاً في ملفّاته الداخلية التي تركز على تسريبات الفساد والتجسّس وتهريب الأموال وبسط نفوذ هذا الحزب السياسي على حساب ذاك، من دون أن تلمس أي فاعلية وتخطيط تحسباً للقادم من الأيام.

كان الاتفاق الذي وقع أخيراً بين دولة الكيان ولبنان الرسمي، ومن ورائه حزب الله ومن ورائهما إيران؛ إيذاناً بنهاية حزب الله المقاوم المُسلح الذي يرفع راية المقاومة، فمن يقرأ الاتفاق وبنوده يدرك جيداً أنها بنود استسلام، وليست بنود وقفٍ لإطلاق النار فحسب، بالتالي، ستنتقل المشكلة اللبنانية على ما يبدو من الحدود إلى الداخل، بعد أن ألقى الاتفاق كرةً من اللهب ستحرق أيدي اللبنانيين على مدار سنوات مقبلة.

تعيش إيران في هذه الأيام مرحلة انكسار كبير لمشروعها الإقليمي الذي رعته طوال الأعوام الأربعين الماضية

وفي سورية، يُنذر تحرّك الفصائل المعارضة ودخولها حلب وكامل إدلب وصولاً إلى مشارف حماة، وقد لا تكون آخر المدن التي ستدخلها المعارضة، هو الآخر بتغيير جذري في معادلة التوازنات الداخلية والإقليمية، فقد اختارت المعارضة توقيتاً مثالياً لحراكها والانتقال من وضع الدفاع إلى الهجوم في ظل انشغال بوتين روسيا بحربه مع أوكرانيا والاستعدادات الجارية هناك لوقف تلك الحرب مع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، وأيضاً ما جرى لحزب الله اللبناني في حرب الشهرين. يضاف إلى هذا كله وذاك انقطاع ، تقريباً، طريق الإمداد الإيراني لنظام الأسد عبر العراق، في ظل غارات مكثفة نفذها الطيران الإسرائيلي والطيران الأميركي خلال عامين ونصف عام.

يشعر ساسة العراق، الجار الذي ما زال لم يتعافَ تماما من حروبه الداخلية والتدخلات الإقليمية، بأنهم قد يكونون على مقصلة التغيير، خاصة في ما جرى في سورية أخيراً، بل لا يبدو الحديث عن أن العراق الهدف التالي بعد سورية نابعاً من فراغ، وللشعور بالقلق لدى ساسة العملية السياسية هو الآخر ما يبرّره.

نعم، قد لا تكون لتحرّكات فصائل المعارضة السورية علاقة مباشرة بما يمكن أن يحدُث في العراق لاحقاً، لكنها حتماً ستكون مؤثرة، فعلى الصعيد الداخلي، تبدو الأوضاع العراقية في مأزق كبير، في ظل تنافس وتصارع للمصالح بين قواه وأحزابه السياسية على المغانم والمكاسب وصفقات الفساد والتهريب وغيرها، بل لا يكاد يومٌ يمرّ على العراق من دون أن يُفاجأ العراقي بتسريب صوتي جديد بين أقطاب عمليته السياسية، عن صفقات مليارية تتقافز بين يدي ساسة البلد.

ليس كل هذا النظام السياسي العراقي على قلب رجل واحد، ولا يُنظر إلى إيران بالعين نفسها

خارجياً، تعيش إيران في هذه الأيام مرحلة انكسار كبير لمشروعها الإقليمي الذي رعته طوال الأعوام الأربعين الماضية، والذي بدأ في لبنان وتمدّد ليصل إلى سواحل اليمن مروراً بسورية والعراق، فهذا المشروع تعرّض لضربات متلاحقة، وما عاد بالإمكان إخفاء بداية مرحلة الانكفاء الإيراني، خاصة بعد الضربات الكبيرة التي تعرّض لها حزب الله، والذي يعتبر درّة تاج المشروع الإيراني. بالتالي، تشعر إيران بقلق متزايد من خسارة ساحة أخرى، خاصة إذا نجحت المعارضة السورية في التمدّد في الجغرافيا والسياسة والنفوذ، وملأت الفراغ الذي يمكن أن تتركه أذرع إيران والأسد. ومن هنا، قد يكون الدفاع عن نفوذها في العراق مستميتاً.

النظام السياسي في العراق على دراية تامة بوطأة الشعور الإيراني، ولكن علينا أن نكون أكثر دقة في التوصيف، فليس كل هذا النظام السياسي العراقي على قلب رجل واحد، ولا يُنظر إلى إيران بالعين نفسها، فهناك أطراف فاعلة في هذا النظام لا ترى في إيران أكثر من دولة إقليمية لديها فائض قوة وتسعى إلى جعل العراق تابعاً لها. ويمكن أن يكون لهذه القوى السياسية حضور لافت في المرحلة المقبلة إذا أدركت فعلاً أن المشروع الإيراني في حالة انكفاء. وهنا لا نتحدّث عن قوى سياسية سنية أو كردية، وإنما حتى قوى سياسية شيعية منزعجة من التغلغل الإيراني.

من هنا، على النظام السياسي في العراق أن يدرك أن المنطقة أمام لحظة فارقة، وأن يختار مصيره ومصير العراق من خلفه، فزجّ العراق في صراعات دول الجوار، وتحديداً سورية؛ يمكن أن يُتخذ ذريعة لفتح جبهات داخل العراق لا يتحمّلها الوضع القائم حالياً، خصوصاً أن أسباب النقمة الداخلية العراقية على النظام السياسي موجودة، وتنتظر، هي الأخرى، فرصة لإطاحة هذا النظام وعمليته السياسية المترنّحة، فهل تستوعب النخب السياسية العراقية الدرس؟ وهل يمكن أن تنجح الحكومة في ضبط إيقاع الفصائل المسلحة، وتمنعها من الاندفاع نحو سورية بحجّة “حماية المراقد”؟

 

المصدر: العربي الجد

زر الذهاب إلى الأعلى