تأخذ المواجهات الإسرائيلية مع “حزب الله” منحى عمدت فيه إسرائيل لضرب إمدادات “الحزب” الاقتصادية، وفي سوريا بشكل رئيس، ما يدفع بنقاش عن مدى تأثر الاقتصاد السوري بهذه السياسة الإسرائيلية.
ونشر الجيش الإسرائيلي، في 21 من تشرين الأول الحالي، تسجيلًا مصورًا أوضح عبر الخرائط آلية حصول “حزب الله” اللبناني على الأموال، عبر ثلاث طرق، برًا وبحرًا وجوًا.
ويمر الطريق البري عبر الاقتصاد السوري، إذ ترسل إيران النفط عبر العراق وصولًا إلى سوريا، ويباع لشركات في سوريا، منها متصل بالنظام السوري و”حزب الله”، وتقوم بدورها بإيصال ثمن هذه المحروقات إلى “الحزب”.
ووفق الجيش الإسرائيلي، يشرف “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني” على نقل النفط إلى سوريا، بهدف تأمين السيولة لـ”حزب الله”.
ولفت إلى أن شركات سورية عديدة تعمل على شراء النفط الإيراني في سوريا منها شركة “B.S” المملوكة من قبل عائلة قاطرجي، في حين لا يوجد تقديرات لحجم الفائدة التي يحققها السوق السوري من حجم التجارة هذه.
تمويل متداخل باقتصاد سوريا
لا يعتمد تمويل “حزب الله” على النفط وحده، إذ سعت إيران لتأمين أساليب تمويل تغيب عن أنظار الإسرئيليين على مدار السنوات الماضية، فدفع “الحزب” لإنشاء شركات تعود أرباحها له في دول متعددة، منها سوريا، واليمن، وتركيا، وغيرها.
ورغم مساعي إيران لإخفاء هذا المسار، استهدفت إسرائيل أفرادًا فاعلين بعجلة اقتصاد “حزب الله”، لكن هذه الاستهدافات بدت مؤخرًا وكأنها تهدف لقطع شريان “الحزب” الاقتصادي، لا إضعافه أو الحد منه وحسب.
الذراع الاقتصادية لـ”الحزب” في سوريا لا ترتبط بقطاع النفط فقط، إنما تمتد على قطاعات أخرى منها قطاع الحوالات المالية، منها شركة “الفاضل” إحدى أكبر شركات الحوالات في سوريا، التي نفت مؤخرًا علاقتها بهذا التمويل.
وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية، في 30 من أيار 2023، ثلاثة أشقاء يمتلكون شركة “الفاضل”، على لائحة العقوبات الأمريكية، لتقديمها المساعدة المالية للنظام السوري و”حزب الله” و”فيلق القدس”.
أيضًا في 16 من تشرين الأول الحالي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطين بالنظام و”حزب الله”، بسبب ضلوعهم بعمليات تجارة مخدر “الكبتاجون”، لتمويل “الحزب”.
وقالت الخزانة الأمريكية حينها إن التجارة غير المشروعة بـ”الكبتاجون”، تبلغ قيمتها مليار دولار، ويديرها كبار أعضاء النظام السوري.
كما اتخذت واشنطن إجراءات استهدفت تهريب النفط لـ”حزب الله”، منها في 31 من كانون الثاني 2024 و11 من أيلول 2024، واستهدفت عناصر أساسية في شبكة “حزب الله” و”فيلق القدس” الإيراني.
ووفق الخزانة الأمريكية، حققت هذه الشبكة إيرادات تقدر بمئات الملايين من الدولارات من خلال بيع السلع الإيرانية، بما في ذلك البترول، ومعظمها لـ”الحكومة السورية”.
ما الأثر على اقتصاد سوريا
تستهدف إسرائيل بشكل شبه يومي أفرادًا مرتبطين بـ”حزب الله”، ومنهم من يرتبط بالقطاع الاقتصادي مباشرة، معظمهم في العاصمة السورية دمشق، وتنوي إسرائيل بذلك إنهاء نشاط “الحزب” الاقتصادي، المتداخل مع الاقتصاد السوري.
وقلل مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار، من تأثير مكافحة النشاط الاقتصادي لـ”الحزب” على الاقتصاد السوري، إذ اعتبر أن إيران تدعم اقتصاديًا ثلاث جهات ميليشياوية في كل من العراق ولبنان واليمن، وحكومة في سوريا.
وأضاف الدكتور في الاقتصاد كرم شعار، لعنب بلدي أن ما يؤثر جذريًا على الاقتصاد السوري هو اتخاذ قرار من طهران يقضي بوقف تمويل النظام، وهو ما لا تستهدفه إسرائيل حتى الآن.
شعار لفت إلى أن آليات تمويل “حزب الله” في سوريا يمكن خلق بدائل لها دائمًا، لكن ما نراه حاليًا هو أن الرغبة بكبح تمويل “الحزب” بشكل جدي أكبر من كبح تمويلات النظام السوري التي تصل من إيران.
وإلى جانب الدعم المنظّم لـ”حزب الله” خصصت إيران دعمًا بالخطوط الائتمانية وبالنفط للنظام السوري، لمواجهة أزمات متكررة في القطاع، وسبق أن أرسلت بواخر إلى سوريا مخترقة العقوبات الأمريكية- الأوروبية.
أكبر عملية “غسيل أموال”
رغم عدم وجود إجماع على اعتبار عمليات تمويل إيران لميليشياتها، في سوريا أو غيرها، قانونية أم لا، تعتبر عمليات تمويل “حزب الله” المعلن عنها مؤخرًا أنها “أكبر عملية غسيل أموال في الشرق الأوسط في العصر الحديث”، وفق الدكتور في الاقتصاد، كرم الشعار.
شعار قال، لعنب بلدي، إن طريقة التمويل هذه “ذكية جدًا” لأنها تغسل الأموال المعاقبة عبر الشعب السوري، أي أن السوريون هم “الغسالة”.
ولفت شعار إلى أنه لولا شحنات النفط لسوريا كان من الممكن أن ينهار النظام السوري كله.
ورغم أن التدخل العسكري الإيراني إلى جانب النظام كان مهمًا، لكن التدخل الاقتصادي كان أكثر أهمية، وخصوصًا في قطاع المحروقات.
وأشار إلى أنه في الوثائق الإيرانية يشار إلى شحنات النفط الإيراني لسوريا التي تجاوزت قيمتها 11 مليار دولار منذ عام 2012 إلى اليوم، على أنها ديون، رغم أنها كانت ذاهبة في إطار عمليات تمويل لـ”الحزب”.
وأضاف أن هذا الرقم يتجاوز أضعاف الموازنة العامة السورية التي تتراوح بين اثنين وثلاثة مليارات، أي أنه رقم “مهول” على أن يعرف كثمن تجارة نفطية.
لإيران ديون
في نهاية نيسان الماضي، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر وصفتها بالمتابعة في دمشق قولها، إن إيران تحاول الضغط على حكومة النظام لاسترداد ديونها منذ أحدث زيارة أجراها الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق في أيار 2023.
وأضافت المصادر أن إيران تضغط على النظام لاسترداد الديون البالغة 50 مليار دولار أمريكي عبر الحصول على مشاريع استثمارية، خاصة بعد توقيع الطرفين “مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي” في أثناء زيارة رئيسي الأخيرة.
تشدد طهران على وضع الاتفاقيات الكثيرة الموقعة بين البلدين موضع التنفيذ وذلك بهدف سداد الديون، وفق المصادر.
وفي 25 من نيسان 2023، اجتمعت اللجنة الاقتصادية السورية- الإيرانية، بمشاركة وزير الاقتصاد في حكومة النظام، محمد سامر الخليل، ووزير الطرق الإيراني، مهرداد بذرباش، وممثلين من الجانبين في قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات.
نتج عن هذا الاجتماع تشكيل ثماني لجان اقتصادية تخصصية في قطاعات مختلفة، وكانت اللجنة الثامنة من هذه اللجان تُعنى بمتابعة الديون والمستحقات، لإجراء تحقيق دقيق لحجم الديون، بعد اتفاقات سابقة تخص إعطاء أراضٍ كبديل لهذه الديون.
وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهرداد بذرباش، صرح حينها أن الجانب الإيراني “يشعر بظروف سوريا، ولكن توجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”، وفق حديث الوزير الإيراني لصحيفة “الوطن” السورية.
وفي ظل الحديث عن ديون لإيران عند النظام السوري بنحو 50 مليار دولار أمريكي، اقترحت إيران على الأسد تقديم أراضٍ كبديل عن الأموال في سبيل التسديد.
المصدر: عنب بلدي