ما زالت ردود الفعل والتعليقات تتوالى في إيران على حادثة تحرش مقاتلات أميركية بطائرة ركاب إيرانية في أجواء سورية، مساء أمس الخميس، ويغلب عليها طابع التحذير من تبعات التصرف الأميركي، واتهام واشنطن بنقض قوانين الملاحة الجوية، وإطلاق الوعيد والتهديد بالرد المماثل، والحديث عن “انتقام صعب” في “الوقت والمكان المناسبين”، وكذلك تهديد القادة الأميركيين بـ”الاغتيال”، فضلاً عن إعلان طهران البدء بإجراءات قانونية في مواجهة ما حدث، حيث أكدت السلطات الإيرانية رفع شكوى لدى منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)، ومخاطبة الأمم المتحدة وإرسال رسائل إلى واشنطن عبر الوسيط السويسري، الراعي للمصالح الأميركية في طهران.
تحذير من الكارثة
وفي تعليقه، دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اليوم الجمعة، إلى “الحد من الانتهاكات الأميركية للقوانين قبل وقوع كارثة”، مستحضراً وجود القوات الأميركية على الأراضي السورية، ليقول إن “الولايات المتحدة احتلت بشكل غير مشروع أراضي دولة أخرى، ثم تتحرش برحلة مدنية وتخاطر بأرواح المسافرين المدنيين العزل”. وعرّج ظريف على توضيحات القيادة الوسطى الأميركية حول مضايقة الطائرة الإيرانية، من خلال القول إنها على ما يبدو “كانت تهدف إلى حماية القوات المحتلة”.
وكان الجيش الأميركي قد علّق، فجر اليوم الجمعة، على اعتراض طائرة ركاب إيرانية في أجواء سورية، إذ قالت القيادة الوسطى الأميركية إن الاقتراب من الطائرة الإيرانية في الأجواء السورية، في وقت متأخر من مساء أمس الخميس، جاء لضمان أمن قوات التحالف الدولي بقاعدة “التنف” في سورية.
تهديد بـ”رد حازم”
إلى ذلك، صدرت تصريحات متفرقة عن مسؤولين إيرانيين، خلال الساعات الأخيرة، أطلقوا فيها تهديدات، داعين القوات العسكرية الإيرانية إلى الرد بالمثل على “المغامرة الخطيرة”، بحسب توصيف وزارة الخارجية الإيرانية، والتي أطلقت من جهتها تهديداً رسمياً بالرد على التصرف الأميركي، في بيان أصدرته مساء اليوم، الجمعة.
وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، في بيانه الذي نشرته قناته على منصة “تليغرام”، أن بلاده “لن تبقي أي سلوك عدائي ضد الشعب الإيراني من دون رد”، مشدداً على أنها “في الزمن المناسب سترد بشكل حازم ومناسب على أي تصرف غير عاقل”.
وفي إشارة إلى التوضيحات التي قدمها المتحدث باسم القيادة الوسطى الأميركية (سنتكام)، بيل أوربان، اعتبر موسوي أنها بمثابة “القبول بمسؤولية خلق الخطر لطائرة شركة ماهان”، مندداً بهذه “المجازفة الخطيرة”، ومعتبراً أن مضايقة الطائرة الإيرانية “انتهاك للقانون الدولي وللملاحة الجوية وإخلال بالسلام والأمن في المنطقة”.
وفيما وصف “سنتكام” بأنه “جهاز إرهابي”، اعتبر موسوي أن حديث أوربان عن مهمة المقاتلة الأميركية بشأن إجراء تدقيق بصري نمطي لطائرة ركاب ماهان، “مضحك”، مضيفًا أن “وجود القوات الأميركية في سورية غير شرعي ومهمات مقاتلاتها أيضاً غير مشروعة”. كما رفض القول إن المقاتلات الأميركية كانت “على مسافة آمنة”، مؤكداً أنه “خلافاً لهذا الادعاء، لم تتم مراعاة المسافة الآمنة”.
وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن بلاده ستتابع هذا التصرف الأميركي في الأوساط القانونية الدولية، “تحديداً منظمة الطيران المدني الدولي إيكاو”، قائلاً إنها “لن تسمح لأميركا بالاستهزاء بالقوانين الدولية من خلال تنمراتها وغطرستها”. وحذّر من “أي مغامرة أميركية وإسرائيلية جديدة في المنطقة”، قائلاً إن “الاستقرار والأمن في منطقة غرب آسيا لا ينبغي أن يتحولا إلى ألعوبة في السباق الانتخابي في أميركا”.
وفي الأثناء، وصف مساعد رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية، حسين أمير عبد اللهيان، في تغريدة على “تويتر”، التحرش الأميركي بالطائرة الإيرانية بأنه “استفزاز”، مؤكداً أن “على القوات الأميركية انتظار عواقب سلوكها الاستفزازي هذا”.
ووظف عبد اللهيان الحادث ليستحضر اغتيال قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني، مطلع العام الحالي، في ضربة جوية أميركية في بغداد، قائلاً إن الحادث الأخير وقع “فيما الانتقام الصعب” رداً على الاغتيال، “ينتظر القوات الأميركية”.
وأضاف المسؤول الإيراني أن “الصهاينة أيضاً لا يمكنهم البقاء في الظل والقيام بالاستفزاز والحديث فوراً (بعد الحادث) أنهم لم يكونوا متورطين”، وذلك في إشارة إلى إعلان إسرائيل أن المقاتلات لا تتبع لها بعيد وقوع الحادث، فيما انتشرت في الدقائق الأولى أنباء عن أنها “إسرائيلية الهوية”.
وجلب تعليق مستشار روحاني للشؤون الإعلامية، حسام الدين آشنا، على الحادث في تغريدة على “تويتر”، انتباه مراقبين، حيث هدد بشكل غير مباشر باغتيال قادة أميركيين، من خلال قوله إن “من تهمه أرواح قادته عليه أن لا يتلاعب بأرواح مسافرينا”. وصدرت تعليقات غاضبة من مشرعين إيرانيين دعوا السلطات الإيرانية إلى الرد بالمثل على الحادثة.
خيبة أمل
وعلى الرغم من إعلان إيران بعد الحادث بساعات، أنها ستتابعه في الأوساط القانونية الدولية، مشيرة إلى رفع شكوى لدى منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو)، ولدى محكمة العدل الدولية؛ فإنها لا تبدو متفائلة بأن تصل إلى نتيجة مرضية، حيث تشي تصريحاتها حول ذلك بوجود خيبة أمل، إذ قال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور الإيراني عباس علي كدخدائي، في تغريدة على “تويتر”، إن “الإجراءات القانونية تأخذ وقتاً طويلاً”، مؤكداً أن “التصرف الإرهابي للكيان الأميركي يتطلب الرد بالمثل فضلاً عن ملاحقته قانونياً”.
وفي مقال قصير، نشرته وكالة “إيسنا” الطلابية الإيرانية صباح اليوم، الجمعة، اعتبرت مساعدة الرئيس الإيراني لعيا جنيدي، أن مضايقة المقاتلات لطائرة مدنية تابعة لشركة ماهان الرحلة 1152 “في أجواء دولة ثالثة يمثل انتهاكاً لأمن الملاحة الجوية ولمبدأ حرية الطيران المدني”، متهمة الولايات المتحدة بـ”انتهاك اتفاقية الطيران المدني الدولي (اتفاقية شيكاغو) وملحقات اتفاقية مونتريال لعام 1971، فضلاً عن نقض مبادئ القانون الدولي”.
واعتبرت جنيدي أن تصرفات المقاتلات الأميركية تحمّل الولايات المتحدة “مسؤولية دولية”، متوعدة بمتابعة الموضوع قانونياً في مجلس منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) ومحكمة العدل الدولية.
المصدر: العربي الجديد