نتنياهو إذ يعاند بايدن.. المرحلة الثالثة رهينة خطاب الكونغرس

صهيب جوهر

تترسخ لدى الأطراف السياسية في المنطقة نظريات متشابهة من المراهنة المستمرة على عدد من المحطات الإقليمية والدولية للوصول لاتفاق يؤسس لليوم التالي في غزة ولبنان ودول الشرق الأوسط، والتي يمكن أن تحدث تحولات في الخيارات الاستراتيجية في المنطقةوهذا ما يدفع الجهات الفاعلة على مستوى الدبلوماسية والأمن للبحث عن الـسباب التي أدت لفشل النظام الدولي في تحقيق أي خرق في عملية وقف الحرب على الرغم من الجهود المبذولة في أكثر من صعيد.

وبالعودة إلى كل الأحداث والتطورات التي أعقبت معركة “طوفان الأقصى” يتمظهر بوضوح النوايا الإسرائيلية لتنفيذ ضربة عسكرية على لبنان أولاً وعلى مراكز تموضع الحضور الإيراني في سوريا والعراق ثانياً.

وبدا ثابتاً أن الجهات المقررة في إسرائيل وتحديداً وزير الحرب يوآف غالانت كانوا قد اقترحوا بأن يأتي الرد الناجع على عملية حماس في السابع من أكتوبر عبر توجيه ضربة عسكرية لحزب الله ومن بعدها يجري إنهاء وجود حركة حماس في قطاع غزة.

واستند أصحاب هذا التوجه الحازم إلى تبرير أساسي،   أن الحزب هو القوة الأكبر والتي تستمد منه حركة حماس قدراتها وثباتها المعنوي في المعركة.

وبرر حينها غالانت هذا الخيار الجنوني بأن جيشه مستعد للحرب في جبهة الشمال بعد عملية تقييم لكل مسارات الحروب السابقة مع حزب الله وتحديداً حرب العام الـ 2006 إضافة لمعرفته لطبيعة العناصر القتالية للحزب في سوريا والتي يتحدث الإسرائيلي عن اختراقه لكل مساحة فيها منذ بداية تدخل الحزب في دعم الأسد في معركته ضد الشعب السوري.

وهذا الإصرار كان بخلاف الوضع في غزة والذي فاجأ الحكومة والجيش والاستخبارات، ما يعني أن معالجته العسكرية تتطلب تحضيرات لوعورة المعركة وصعوبتها في الاستحصال على معلومات عن حماس بسبب السياسة الصارمة للحركة.

وبات واضحاً أن الإدارة الأميركية التي سارعت لنجدة إسرائيل بدعم عسكري كبير وكامل، أبدت معارضتها لخطوة الحرب مع لبنان في مقابل دعمها المطلق لضرب حماس من دون حد مرسوم، والذهاب إلى النهاية وفق التعبير الذي استخدمه يومها الرئيس الأميركي جو بايدن. وقد سانده في موقفه هذا قادة الغرب وتحديداً البريطانيين والفرنسيين.

ويومها اندفعت الإدارة الديمقراطية لسد النقص الكبير في التحضيرات الإسرائيلية على غزة، من خلال المعلومات الاستخباراتية والمشاركة في التخطيط عبر فنيين في غرفة العمليات الإسرائيلية التي تدير الحرب، إضافة إلى كل أنواع الأسلحة والذخائر المطلوبة.

في مقابل ذلك عمدت واشنطن عبر المدمرات البحرية التي أوفدت للشرق الأوسط بتعزيز حالة المتابعة الحثيثة على الحدود اللبنانية مع إسرائيل لمنع حصول تهور إسرائيلي أو إيراني محتمل.

ورغم الصرامة الغربية بمنع أي تطور يؤدي لحرب شاملة، لايزال نتنياهو وفق حساباته المتأرجحة لتأمين خروجه الآمن المشهد، مصراً على نقل المعركة للبنان بكل الإمكانيات المتاحة، لكن هذه الرغبة الجامحة تزامنت مع عودة الاتصالات الأميركية – الإيرانية، للنقاش حول مستقبل خريطة المنطقة.

وهذه الاتصالات كانت لا بد أن تمر بالخريطة اللبنانية من خلال الزيارات المستمرة للموفد الأميركي آموس هوكشتاين والذي سخر نفسه للتفاوض مع حزب الله عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري بهدف صياغة الاتفاق الأمني لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في غزة، والذي يرتكز على تطبيق القرار 1701 مع بعض التعديلات الطفيفة عليه.

وبدا أن مسؤولي الخارجية والأمن القومي الأميركي وصلوا لقناعات مشتركة مع بعض أركان الحكم الإسرائيلي بضرورة عدم الاندفاع باتجاه لبنان بعد انتهاء حرب غزة، لأن كل الجهود مصبوبة أميركياً بالخروج من حالة العسكرة الإقليمية قبيل الانتخابات الأميركية لذا فإن الآمال الأميركية هي أن يستبدل الحل العسكري بسياسي، طالما أن مطلب إسرائيل هو ضمانات أمنية ترسخ عودة مستوطني الشمال إلى قراهم.

لكن ومع إعلان نتنياهو أن العمليات في رفح باتت في نهاياتها، فإن نتنياهو وبدعم مطلق من وزيريه بن غفير وسموتريتش بدؤوا يطرحون البدء بالمرحلة الثالثة، والتي تتضمن من جهة ترتيبات الحكم في غزة والضفة الغربية من جهة، والبدء بضربة عسكرية على لبنان من جهة أخرى. لكن إدارة بايدن لاتزال على موقفها الحاسم المتعارض مع رؤية الحكومة الإسرائيلية لكامل فكرة المرحلة الثالثة، لا في غزة ولا في لبنان التي ترعى واشنطن فكرة إعادة ترسيخ الهدوء والنهوض الاقتصادي.

فيما أتت زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالنت إلى واشنطن محاولة لتظهير نتائج مغايرة عن الصورة التي يقدمها ثلاثي المرحلة الجديدة، وهو قال قبل إقلاع طائرته بأنّ نتائج هذه الزيارة حاسمة لمستقبل الحرب في غزة ولبنان، ورغم محاولته إظهار في زيارة لإزالة العوائق الأميركية على المشروع الإسرائيلي في لبنان وطلب المؤازرة والمساعدة الاستخباراتية واللوجستية، إلا أن الرهان الأميركي على خلق تشققات إسرائيلية تتيح الذهاب لتنفيذ خطة بايدن لغزة ولبنان.

خصوصاً أن موعد الانتخابات الأميركية يقترب وبايدن بات بحاجة قصوى إلى إنجاز خارجي يعمد إلى استثماره داخلياً، بدليل أن إدارة بايدن القلقة أصلاً من انتقام ترامب بعد عودته الى البيت الأبيض، بدت مرتعبة إثر التسجيل الذي أجراه نتنياهو، متهماً إدارة بايدن بحجب الأسلحة عن إسرائيل. وهو يدرك أن هذه الصرخة ستؤثر سلباً حتى على اليهود الأميركيين الذين يعارضون نتنياهو في الحرب.

لكن لدى مسؤولي حملة بايدن الانتخابية إشارات أخرى عن انتقال الصراع إلى صفوف الجالية اليهودية في واشنطن. وهي الجالية التي يعتمدُ عليها أي رئيس حكومة إسرائيلي لتغطية حروبه، وليسَ تفصيلاً عابراً على الإطلاق ما دعا إليه السفير الأميركيّ السابق لدى تل أبيب مارتن إنديك من سحب دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إلقاء خطاب أمام الكونغرس، وذلك حتى يعتذر عن اتهامه لإدارة بايدن بحجب الأسلحة عن إسرائيل.

من هنا يفهم أسباب إطلاق حزب الله لرسائل التهديد “الصوتي” تجاه إسرائيل أولاً وتجاه الأوروبيين عبر قبرص ثانياً، واختار حسن نصر الله خاصرة أوروبا الرخوة لتهديد كل من يدعم نتنياهو في خياراته، وهذا التهديد المبطن لبريطانيا وفرنسا، كان قد عبر عنه سابقاً وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني أمام بعض المسؤولين في بيروت.

فيما أتت زيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لعرض نفسها وسيطاً “نزيهاً” بين الحزب وإسرائيل، وكان قد سبقها نائب مدير مخابرات ألمانيا أولي ديال ولقاؤه مع مسؤولي الحزب لترسيخ حالة تفاوضية جديدة بعد تراجع باريس وفشلها في إقناع الأطراف بها.

في النهاية يقبع الإقليم أمام رغبات الحرب الإسرائيلية وتحديات واشنطن الانتخابية، لذا ثمة أسابيع حاسمة وقاتلة قد تكون الأكثر خطورة مع إصرار أكثر المتطرفين في العالم على أخذه لمسارات فجة تشمل حروبا مفتوحة.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى