كذبة الدولتين‏  

كيتلين جونستون*‏     ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يتوقف الموقف الكامل للجانب المؤيد لإسرائيل من النقاش حول غزة على فرضية أنه لا يوجد حد أخلاقي لعدد الأبرياء الذين يمكنك أن تقتلهم في السعي إلى تحقيق هدف عسكري. ‏ومن وجهة نظرهم، ليس الأمر أن من المقبول تماما قتل 10 آلاف طفل فلسطيني في حملة القصف الإسرائيلية لغزة فحسب، بل سيكون من المقبول تمامًا أن يكون عددهم 100 ألف، أو مليونا.

*   *   *

‏في الآونة الأخيرة، ظهر عدد مفاجئ من اعترافات الحكومة الإسرائيلية -ليس بأن الحل على أساس الدولتين غير مطروح على الطاولة الآن فحسب، وإنما بأنه لم يكن مطروحًا في أي وقت على الإطلاق. وقد تفاخر ‏‏رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في ‏‏مؤتمر صحفي عقد مؤخرًا‏‏ في ‏‏تل أبيب بأنه أمضى عقودًا في إحباط قيام دولة فلسطينية، وبأنه “فخور” بالقيام بذلك.‏

‏وقال ‏‏كبير مستشاري نتنياهو، مارك ريغيف، ‏‏لبيرس مورغان،‏‏ أن قيام دولة فلسطينية حقيقية لها جيشها وسيادتها الحقيقية لم يكن أبدًا خيارًا لإسرائيل، واصفًا بـ”المنطقي والحس السليم” أن يكون للفلسطينيين في أحسن الأحوال “أقل من دولة”.‏

وقالت ‏‏السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة، تسيبي هاتوفيلي، ‏‏لشبكة “سكاي نيوز”‏‏، الأسبوع الماضي، إنها “لا توجد على الإطلاق” إمكانية لتطبيق حل دولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.‏

‏كان من أسهل الأشياء في العالم أن تحافظ الحكومة الإسرائيلية على ‏‏الكذبة ‏‏التي استمرت لأجيال بأنها دعمت دائمًا حل الدولتين لكن الفلسطينيين هم الذين استمروا في رفضه، والادعاء بأنه الآن فقط، بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أصبح مثل هذا الاتفاق مستحيلاً. لكنّ نتنياهو في هذه المرحلة يائس جدًا سياسيًا، ويحظى كونه معارضًا للحقوق الفلسطينية بشعبية سياسية كبيرة في إسرائيل، حتى أن هؤلاء الحمقى لا يستطيعون مقاومة قول الحقيقة عن أنفسهم.‏

‏الأمر بسيط جدًا في واقع الأمر. بمجرد أن استبعدت إسرائيل حلا حقيقيا على أساس الدولتين بحجة أن القيام بذلك يمكن أن يسمح لفلسطين بأن تصبح تهديدًا عسكريا، واستبعدت حلا حقيقيا على أساس الدولة الواحدة، بحجة أن إعطاء حقوق متساوية لجميع المواطنين سيكون من شأنه إنهاء وجود إسرائيل كدولة عرقية يهودية، كانت الخيارات الوحيدة المتبقية على الطاولة هي الإبادة الجماعية والتطهير العرقي للفلسطينيين.‏

‏لا حد ولا قيد على قتل الأبرياء‏

يتوقف الموقف الكامل للجانب المؤيد لإسرائيل من النقاش حول غزة على فرضية أنه لا يوجد حد أخلاقي لعدد الأبرياء الذين يمكنك أن تقتلهم في السعي إلى تحقيق هدف عسكري. ‏ومن وجهة نظرهم، ليس الأمر أن من المقبول تمامًا قتل 10 آلاف طفل فلسطيني في حملة القصف الإسرائيلية لغزة فحسب، بل سيكون من المقبول تمامًا أن يكون عددهم 100 ألف، أو مليونا.

بالقدر الذي يتعلق بالإطار الأخلاقي لداعمي إسرائيل، كان بإمكان “حماس” أن تقتل عُشرَ عدد الإسرائيليين الذين قتلتهم في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بينما يمكن لإسرائيل أن تقتل 10 أضعاف عدد الأطفال الذين قتلتهم، وسوف تظل تصرفات إسرائيل في غزة مبررة.‏

‏بالنسبة للأشخاص العاديين والأصحاء نفسيا، سوف يبدو هذا الموقف مختلا. ‏‏ثمة بالطبع حد لعدد الأبرياء الذين يكون من المقبول قتلهم أثناء السعي إلى تحقيق أهداف عسكرية، خاصة الأهداف التي يمكن التعامل معها بشكل غير عسكري. ‏وسوف تكون الاستثناءات الوحيدة هي المواقف التي لا يوجد فيها خيار آخر سوى إما هزيمة عدوك بأي وسيلة ضرورية أو مواجهة إبادتك الخاصة.

‏وبما أنها لا توجد حجة عقلانية تقول بأن “حماس” تشكل تهديدًا وجوديا لدولة إسرائيل، وبما‏‏ أنها ‏‏كانت هناك خيارات أخرى‏‏ للرد على هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) من دون إسقاط قنبلة واحدة، فإنها لا توجد حجة يمكن تقديمها لتبرير القبول بقتل كل هؤلاء الناس الأبرياء أثناء السعي إلى تحقيق الهدف (‏‏غير القابل للتحقيق على الإطلاق‏‏) المتمثل في القضاء على المقاومة الفلسطينية المسلحة لإسرائيل بالطرق العسكرية.‏

يمكن تحقيق السلام من خلال التفاوض مع المقاومة الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق يخدم مصالح الجميع. ويمكن أيضًا إحياء الوضع الراهن المضطرب والمسيء الذي كان قائمًا في 6 تشرين الأول (أكتوبر) ببساطة من خلال معالجة ‏‏الإخفاقات الهائلة والمذهلة‏‏ للأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية التي سمحت بحدوث هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) في المقام الأول.

‏عندما تزن هذين الخيارين مقابل قتل 1000 طفل أسبوعيًا في هجوم عسكري على غزة، يكون من الواضح أن كلا الخيارين المذكورين يتفوق في نظر أي شخص طبيعي يتمتع بصحة عقلية جيدة.‏

الحل السلمي غير مطلوب‏

‏في الحقيقة، ليس الحل السلمي مستحيلاً. إنه ببساطة غير مرغوب فيه. وهو غير مرغوب فيه لأن إسرائيل سعت منذ فترة طويلة إلى طرد الفلسطينيين من أراضيهم، وتوفر “الحرب على حماس” الآن غطاءً لتحقيق هذا الهدف. ومن الواضح تمامًا أن الادعاء بأن إسرائيل لا تملك خيارًا آخر سوى القضاء على عشرات الآلاف من الأرواح باسم محاربة “حماس” هو ادعاء كاذب؛ إنها لا تحتاج إلى القيام بذلك، وإنما تريد فقط القيام بذلك. ففي نهاية المطاف، حجتهم هي: “نحن في حاجة إلى قتل كل هؤلاء الناس لأننا نريد ذلك حقاً”، وهو ما لا يشكل دفاعًا صالحًا على الإطلاق.‏

بعد كل الأكاذيب والفظائع التي شهدناها خلال الشهرين ونصف الشهر الماضيين، يجب على الجميع أن يكونوا غير مصدقين -كرد فعل طبيعي- لأي ادعاءات من الحكومة الإسرائيلية، وأن يتوسلوا الغفران من الفلسطينيين على عدم تصديقهم لكل ما كان الفلسطينيون يقولونه لأجيال.‏

‏نشرت ‏‏مجلة “نيوزويك”‏‏ مقال رأي كتبه جندي سابق في “جيش الدفاع الإسرائيلي” بعنوان: “‏‏الدعوة إلى وقف إطلاق النار هي مطلب معاد للسامية، لأنه يطالب بأن يؤيد اليهود إبادتنا الجماعية الخاصة‏‏”. ‏

وهذا صحيح. الآن أصبحت الدعوة إلى وقف كامل لإطلاق النار معاداة للسامية. وجولات وقف إطلاق نار محدود هي معاداة للسامية. والهتافات المؤيدة لفلسطين هي إبادة جماعية. وأصبحت الحرب هي السلام. والحرية هي العبودية. والجهل هو القوة.‏

‏مع احتدام موسم الانتخابات، يجب ألا يسمح الأميركيون لمؤيدي بايدن بالتمييز بين “سياسته الداخلية” و”سياسته الخارجية” المروعة. فالأطفال الميتون هم أطفال ميتون. وهم ميتون بالقدر نفسه بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه على وجه الأرض وحياتهم مهمة بالقدر نفسه.‏

إن القول بأن السياسي جيد نسبيًا في السياسة الداخلية، ولكنه سيئ في السياسة الخارجية، يشبه قول امرأة أن صديقها يطبخ وينظف ويعاملها بلطف، وسلبيته الوحيدة هي أنه يقتل أيضًا الكثير من العاملات في الجنس. لا يمكنك أن تفصل أعمال القتل الجماعي المروعة عن مجموع الصورة. إن الإبادة الجماعية التي ارتكبها بايدن في غزة، وحافة الهاوية النووية التي صنعها مع روسيا، ليست منفصلة أو متميزة عن بقية رئاسته مقارنة بالرئيس السابق دونالد ترامب.‏

‏‏سوف يعتقد المرء بأن من المشروع فصل “السياسة الداخلية” عن “السياسة الخارجية” عند مناقشة مدى جودة أو سوء رئيس الولايات المتحدة فقط إذا كان يعتقد بأن حياة الأميركيين مهمة أكثر من حياة غير الأميركيين. وهذا ليس موقفًا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا، وينبغي رفضه بقوة.‏

*   *   *

‏- “تعال إلى إسرائيل، إنها المكان الوحيد الذي يمكن لليهود أن يكونوا فيه آمنين”! ‏

‏* حسنا، أنا هنا. هيه! من هم هؤلاء الناس الذين يطلقون النار علينا؟ ‏

‏- “أوه! إنهم يقولون أننا نضطهدهم. سوف يقتلوننا أحيانًا ولكن لا تقلق، الجيش الإسرائيلي هنا لحمايتنا”. ‏

‏* آه، ما هذا بحق الجحيم، الآن الجيش الإسرائيلي يطلق النار علينا!

– “أوه نعم. إنهم يقتلوننا نحن أحيانًا أيضًا”.‏

تعال وانضم إلى جيش الدفاع الإسرائيلي، حيث الفتيات جميلات والنيران صديقة..‏

*كيتلين جونستون Caitlin Johnstone: صحفية أسترالية مستقلة ومدونة ومعلقة سياسية معروفة بتحليلها النقدي لوسائل الإعلام الرئيسية والسياسة الخارجية الأميركية. تكتب على موقعها الإلكتروني الخاص وتُنشر كتاباتها في وسائل الإعلام المختلفة.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Two-State Lie

المصدر: الغد الأردنية/(كونسورتيوم نيوز)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى