.إن نظرة سريعة على واقع الدولة السورية قبل الربيع العربي.توضح أن النظام السوري كان مالئا لجميع مجالات الحياة في سوريا..
.1.فعلى مستوى الأمن والجيش .هناك تضخم في حجم الجيش والأمن لاعتبارات ان سوريا دولة في حالة حرب مع العدو الصهيوني وبيننا معارك وعندنا اراضي محتلة.وهذا الجيش بشقيه العامل والمجند يمتص أكثر من نصف ميزانية الدولة السورية.وأن هذا الجيش والأمن في بنيتهم مقصور على حزب البعث نظريا .وعلى عصبة السلطة العائلية الطائفية من العلويين. في بنية مدروسة وعبر اكثر من اربعين عاما. تمركز فيها هؤلاء في مفاصل الجيش والأمن ومن ثم في الدولة. بحيث أصبحوا هم الدولة المسكوت عنها . والمعبر عنها دولة البعث العقائدي…
.2.منذ انقلاب آذار في عام 63 19. تحرك النظام ضمن منطق الدولة الشمولية الاستبدادية. وعمل على إقصاء القوى السياسية الأخرى. بالاعتقال او دفعها للانشقاق أو اعطائها جزء يسير من كعكة السياسة السورية.واعتمد على انقلابات داخلية ضمن مجموعة العصبة العسكرية الحاكمة .حتى استقرت في السبعين من القرن الماضي بيد الاسد الاب، الذي عمل كما ذكرنا على خلق السلطة الأمنية المتحكمة بكل مفاصل الدولة والمجتمع..
.3.عمل الاسد الاب على احتواء السياسة في سوريا والتحكم بالسياسيين.عبر الجبهة المفرغة من فاعليتها ( الجبهة الوطنية التقدمية) . وعبر الاعتقالات والتخوين وضرب البنى التنظيمية واختراقها. ساعده في ذلك ضعف المعارضات وقلة وعيها احيانا .وامتلاكه عناصر القوة. وقبول دولي به. غطّاه في أغلب تصرفاته، كما حصل في الصراع بين النظام والمعارضة السورية والطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. الذي انتهى بمجازر وإلغاء الحيز السياسي في سوريا. واصبح السياسيين الحقيقيين.اما شهداء او معتقلين أو صامتين او في المنافي… المهم استلم الأسد الابن السلطة والبلد في حالة موات سياسية.والمعارضة أصبحت محصورة في قلّة معارضة كرموز واغلبهم من شيوخ السياسة السورية أو المعتقلين السابقين. وحضورهم السياسي والواقعي يكاد يكون معدوم…
.4.عمل النظام على الامتداد في الفضاء السياسي لسوريا. وذلك في منحيين الأول هو ادخال كل موظف وعسكري وطالب وعامل في الدولة في بنية الحزب. وحوّله واجهة تحت السيطرة وآلية مضمونة تابعة تستخدم لتنفيذ أجندة السلطة في الواقع الاجتماعي والسياسي. نموذجها المسيرات المليونية وغيره..
.وعمل على منحى آخر وهو وضع مفاصل القوة كاملة في يد العصبة العائلية وامتدادها في الطائفة العلوية..بحيث أصبحت البنية التراتبية للجيش واغلبية قيادته والمواقع الحساسة ضمن الجيش والأمن في يد هذه العصبة وعبر عشرات السنين…
.5.عمل النظام على رشوة هذا الامتداد له من خلال حملة توظيف عامة في الدولة. ومن خلال فتح مجال حتى يحصل فساد ممنهج في كل مفاصل الدولة وحسب الموقع. فالذي يسرق خبز العسكر او وقود آليات الدولة… أو الذي يسرق اقتصاد البلد مثل الاتصالات ومؤسسات وصناعات ونفط… الخ. وإعادة تدوير هذه السرقات لتصبح السلطة وعصبتها أكبر مالك في البلد للمال والعقار والمشاريع الاقتصادية وتحويل كل البنى المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى مجرد وسيط وحامل لهذه السلطة والمالكة لكل شيء في سوريا…
.6.عمل النظام على خلق الولاءات المصلحية له لتغطية القمع والفساد ولإستيعاب الانتهازيين من السوريين في بنية الحزب. واعتمد على خلق بنى حزبية كرتونية مصلحية، غطى فيها تغوله وهيمنته على المناخ السياسي الكامل سماها الجبهة الوطنية التقدمية من كل انتهازيي السياسة السورية عبر عقود… وعمل أيضا على تعويم سلطته مع البنية الدينية والطائفية حسب قاعدة العصا والجزرة .فصنع له امتداد عند الإفتاء وجعل رؤساء الطوائف الروحية تابعين له. ولعب على شعور بعض الأقليات الضمني بأنها محكومة بدولة عصبوية متلحفه بطائفة وأن هناك مصالح مشتركة بالعمق بينهم كأقليات في البنية ما قبل الوطنية التي عمل عليها النظام. وكذلك في البنية العشائرية والمدينية وحصل زواج مصلحة بين النظام وكثير من هذه البنى واصبحوا جزء من فقهاء السلطان او سدنة مصالحة وشركائه الصغار.
.7.عمل النظام على إلغاء السياسية في المجتمع بصفتها التفكير بالصالح العام. وجعلها مقننة في حزب البعث كموقع انتهازي وذيلي للنظام. والتنكيل بالمعارضات التي اصبحت اثرا بعد عين. صنفت الإخوان المسلمين مجرمين بالقانون، ووضعتهم تحت سيف الإعدام، أما القوى المعارضة فقد تلاشوا في الحياة…ولا سياسة حقيقية في الواقع…
.8. ان ملخص حالة سوريا داخليا على المستوى السياسي هو: أن النظام يحتل الحيز السياسي بالكامل. وأنه عبر عقود قد صنّف كل أبناء المجتمع مخابراتيا. وأن الأمن حاضر في حياة الناس في كل شيء متسلط عليهم كالقدر.. وان عموم الناس تتهيب الدخول في مجال السياسة عملا وحتى تداولا، لان نهايته مأساة على الإنسان السوري واهله واصدقائه وكل من يمت له بصلة…
.9.ان احد اهم اركان النظام وفاعليته هو في قدرته على التكيف مع التفاعلات في الإقليم المحيط والعلاقة مع العالم والقوى الدولية…
.لقد صنع الاسد الاب هزيمة حزيران في 1967 وكان وزيرا للدفاع. وأنه يحمل عارها. وهناك فلسطين وثورتها. وهناك (اسرائيل) وكيفية التعاطي معها وهناك المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي وأنه يعتبره حليفا استراتيجيا له. وهو يتكلم كحزب بعث بالوحدة العربية والاشتراكية والحرية كشعارات مجوفة من مضمونها وللاستهلاك. وكيّف نفسه وسط هذا المناخ الضاغط والعدائي والمحمل بالحروب وضمن توازنات دولية بحيث تصرف كعصبة مستبدة مستغلا كل ذلك حتى يؤبّد عصبته على حساب كل شيء. وعبر مصلحية تصل لدرجة الخيانة الوطنية…
.10.استلم الأسد الحكم في السبعين.عندما اختلف مع صلاح جديد على التدخل لنصرة الثورة الفلسطينية في الأردن ايام مذبحة أيلول الأسود عام 1970 .وأعاد الجيش من الأردن وكان متناغما مع الأردن ووراءه امريكا و(اسرائيل).وعمل على خلق امتداد له ضمن الثورة الفلسطينية (الصاعقه). وجعل من نظامه ورقة فاعلة أساسية في القضية الفلسطينية. ففي 1975 دخل لبنان بالتوافق مع الغرب أمريكا (واسرائيل) ورضا السوفييت .وتوافق مع أطراف لبنانية مسيحية ضد الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية. وأعاد التوازن على الارض وضرب الثورة الفلسطينية. وكانت مجزرة تل الزعتر، وبعد ذلك صفى بعض القوى المسيحية ودجّن بعضها، ومن يومها صار النظام السوري الطرف الاقوى في لبنان مراعيا مصلحته ومصلحة الغرب (واسرائيل) حتى اغتيال الحريري على يد أنصار النظام في لبنان عام 2005 وإخراجه من لبنان..
11.اما موضوع( اسرائيل) والجولان فقد توافق مع السادات على حرب تحريك وكانت حرب تشرين عام 1973 التي خسر النظام فيها مزيد من الأرض .والتي انتهت باتفاق فصل القوات. واستعاد بها الاسد الاب مدينة القنيطرة . والتي التزم (بموجبها) الهدوء على جبهة الجولان مع العدو، و بالحل الدبلوماسي. الذي لم يستطع إنجازه مع العدو هو وابنه بعد ذلك. مات الأب حاملا عارة ببقاء الجولان محتل. وللان بعد أربعين عاما مازالت جبهة الجولان هادئة و واراضينا محتلة..
12.عمل النظام على أكثر من محور دولي وإقليمي.فهو تواصل مع الدول الخليجية العربية .واستثمرها سياسيا وعسكريا وماديا. سواء بموضوع فلسطين والحرب مع (اسرائيل). او من خلال دوره في لبنان. او من تحييد دول الخليج في الحرب العراقية الايرانية بالاتفاق مع ايران، او من خلال الالتحاق بمعركة تحرير الكويت… وكله يأخذ ثمنه سياسيا وماليا ومعونات دائمة. وكان في كل وقت يعرف كيف ينتقل من موقع لآخر لا تحكمه إلا مصلحته كنظام وعصبة.. وسعى اخيرا لخلق فكرة الدولة المؤبدة والمالكة للبلاد والعباد. عبر تربيط مباشر مع الخليجيين اقتصادا وسياسة وعلى كل المستويات. وكان نتاجها استلام الاسد الابن للسلطة كرمز لاستمرارية العصبة في حكم البلد وتملكها ايضا في عام 2000..
.13.عمل النظام أيضا على محور آخر أكثر عمقا بالنسبة له ويتعلق بالبنية العصبية والطائفية. وبذات الغطاء من محاربة (اسرائيل) ضد أمريكا ولو ادعاء لكنه تحالف مصالح عصبوي.(علوي شيعي) .والعمل على خلق الأرضية لوجود حزب الله يغطي ضرب الثورة الفلسطينية والقوى الوطني اللبنانية .ويكون اداة السياسة الايرانية السورية واستخدامها حسب الحاجة في مساومة النظام مع (اسرائيل) على الجولان ولبنان ودور إيران في معركة تفاهمه مع الغرب…
.14.تفهم الغرب (واسرائيل) دوافع النظام وتعاملوا معه كعدو تحت السيطرة . وامكانية ان تحصل معه توافقات في كثير من الحالات كالحرب العراقية الإيرانية وفي لبنان. وفي حرب تحرير الكويت .وفي هدوء جبهة الجولان وتعهد النظام بحل مشكلة الجولان دبلوماسيا و مراعيا مصلحة اسرائيل الاستراتيجية… وحتى حروب (اسرائيل) على غزة ولبنان.. كله تحت السيطرة… وحتى الربيع السوري.. حيث اصبح الغرب و(اسرائيل) أمام خيارات جديدة…
- بكل الأحوال كان النظام من عهد الاسد الاب الى الابن متحكما في السياسية السورية وعلاقاته داخلا وخارجا. وكان يخرج من كل حدث مراكما مصالحه محققا تقدما له. الى ان حصل ربيع سوريا الذي أسس لسقوط النظام…او هكذا نأمل…