لكل شعب ثقافته التاريخية وحضارته، تميزه عن باقي الشعوب، متوارثة عبر الأجيال ، راسخة في وجدان أبنائه، ملتزمين محافظين على الاهتمام بها و تطويرها عبر مواكبة التطور التاريخي و الأحداث اليومية ، و تأطيرها بسياج محكم خوفا من تعرضها للضعف أو الضياع و النسيان ، و هذا تم و يتم عبر التاريخ ، عفوية هذه العملية التي تكمن ضمن المبادرات الحثيثة و المستمرة و بامتياز ، هي نتاج الوعي و الانتماء للوطن ، الذي يتمتعون به أبناء هذا الشعب ، و هذا الموضوع أو الجانب الإنساني و التاريخي و الحضاري و الحيوي ، بالطبع لا یستثنی منه ، الشعب العربي الأحوازي ، حاله حال الشعوب و الأمم الأخرى ، لامتلاكه كل المقومات و الأركان الأولية على كل المستويات ، طالما تاريخه مشهود لكل المعمورة التي تعترف بتواجده و بحقه في الحياة و الحرية ، ذلك بدءا من الحضارة العيلامية مرورا إلى الدولة المشعشعية و وصولا إلى الدولة الكعبية أو أمارة الأحواز ، التي كانت يوما ما في التاريخ الحديث ، دولة قائمة بحد ذاتها ، مستقلة و ذات سيادة و لكن لولا الاحتلال الفارسي الغاشم لها ، لكانت ضمن الدول الموجودة على ضفة الخليج العربي ، بحكم امتلاك موقعها الاستراتيجي و الثروات الهائلة من النفط و الغاز بكميات كبيرة و الثروات الباطنية و وفرة المياه العذبة و الأراضي الشاسعة و الخصبة و الزراعة و جميع الموارد الطبيعية التي تسمح لها أن تكون أحدى الدول ذات الاقتصاد القوي و المتين ، و فوق كل هذا و ذاك ، أنها كانت و ستظل جزء من الأمة العربية الإسلامية رغم الاحتلال و رغم كل العراقيل و الموانع التي تمنع رجوعها و انضمامها إلى أمتها العريقة ، و في ظل كل المظالم التي مورست و استهدفت الشعب العربي و مازالت ، هناك مجموعات كبيرة من أبناء الشعب ، يعتبرون رسميا الناطقين بلسانه و وكلائه في الدفاع عن حقوقه ، يعبرون بما لا يستطيع التعبير عنه ، هم ذوات الشعب و وجدانه و ضميره الحي و أدواته ، و ذلك يتم بواسطة قصائدهم الملتزمة و الوطنية و شعرهم المقاوم و أغانيهم و اهازيجهم و أناشيدهم الثورية و يحافظون على هويته و تراثه . لا إعاقة و لا أي نوع من أنواع الحصار ، بمقدورها وقف هذه المسيرة الإبداعية و هذا الإنجاز اليومي أن لم يكن بمستوى المطلوب في بعض الأحيان ، فهو يسعى الى أن يكون كذلك و حسب ما تتطلب الظروف التي تحيط بهم ، لكن كل هذه الجهود تختلف اختلافا كليا ، كما و كيفا ، خاصة حين تكون موجودة تنمو و تنتشر في بيئة و مجتمع تحكمه سلطة احتلالية ظالمة لا تعترف بأبسط حقوق الشعب بأكمله و بالتالي تمارس سياسة إقصائية قمعية تشمل الجميع ، بحق کل من تسمح له نفسه أن یتجاوز حدود و خطوط الحمر لقوانینها و لا يكترث لها ، بکتابة قصيدة أو نظمها ، تخلق وعيا مجتمعيا ، تذكر أبناء الشعب المظلوم بحقوقهم المسلوبة و أرضهم المغتصبة و بالتالي تهيج و تثير مشاعرهم الوطنية و تحرضهم على القيام بحراك احتجاجي أو انتفاضة أو ثورة ، تطالب برحيل المحتل أو عند الحد الأدنى ، توفير ما يحتاجه أبناء الشعب ، من حرية البيان و صحف و مكتبات باللغة العربية ، التعليم بلغة الأم ، تأسيس نقابات أو أحزاب أو حركات مدنية كانت أم سياسية أو تجمعات سلمية ، إشراك الشعب في الثروات التي يسرقها المحتل أو ينهبها في وضح النهار ، مهما كان نوع هذه الثروة الوطنية و مطالب أخرى ، لا يمكن للمحتل أن يصغي لسماعها و لهذا هناك معادلة أزلية و هو إما أن تكون هذه الاحتجاجات السلمية ، هي الحد الفاصل بين شعب عليه أن يختار الخنوع و الركوع و ان يتقبل أمر الواقع و لا تنبت شفتيه بأي كلمة تضع المحتل و أعوانه في دائرة المساءلة ، أو تحرجهم أمام الرأي العام الداخلي أو العالمي و تقلل من وجودهم على الأرض و تكشف زيف شعاراتها و قوته المصطنعة و الهشة و تتسبب بمشاكل و مشاكسات و انتشارها ( من وجهة نظر المحتل) ، و المحتل بغنى عنها ، و إما ، تكون انتفاضة أو ثورة عارمة ، يقوم بها و يقودها شعب ، يأبى أن يكون ذليل ، خاضع لأوامر المحتل ، متمرد و رافض لوجود المحتل و سياساته على أراضيه .
هنا يأتي الدور القذر و الإجرامي لوزارة الاستخبارات و للفروع الأمنية ، تبدأ و تنشط العمليات التجسسية و عملائها و من ثم و أن تطلبت الحاجة الملحة ، تدفع لقواتها القمعية و ادواتها المدججين بأحدث أنواع السلاح ، لمطاردة النشطاء و الأدباء و الشعراء و الفنانين من يقومون بأداء لأغاني وطنية أو ملتزمة و من يتعاطف معهم و يناصرهم و يحضر اجتماعاتهم و أمسياتهم و مناسباتهم ، اينما و كيفما كانت ، هذه العمليات أحيانا لا تخلو من جرائم ، قد تصل إلى تصفية الشاعر أو المعارض ، مثلما حدثت في السنوات الماضية و استهدفت الشعراء و هم كلا من الشاعر الشهيد ستار صياحي و الشاعر الشهيد حسن ، على صعيد الاعتقالات نذكر هنا ، الأستاذ و الملحن السيد حسن نصر و قبله الناشطة السيدة فاطمة التميمي و غيرها من الناشطات و أخيرا ، الملحن و الفنان المقتدر السيد مهدي يراحي و القائمة طويلة .
الرحمة لشهداء الأحواز
و الحرية لسجناء الرأي و الشعراء والأدباء.