يوم 28 أيلول يوم الرحيل

محمد عمر كرداس

كان يوماً حزيناً وطويلاً… كنا ننتظر إنجازه للمهمة الصعبة التي تصدى لها وهو المريض المكره على الانعزال  والراحة لمدة خمسة عشر يوما بدون أخبار ولا مقابلات ولا عمل ليشفى من آثار جلطة قلبية داهمته أكثر من مرة بعد حرب حزيران، فوجئ في مكان استراحته في الإسكندرية بالقذافي يأتي ليخبره بالمذبحة التي ترتكبها القوات المسلحة الأردنية ضد المقاومة الفلسطينية بالأردن ليسارع بقطع إجازته ويجمع حكام العرب في القاهرة لإنهاء ما يجري، فالمقاومة الفلسطينية هي من أنبل الظواهر التي ظهرت كما سماها ودعمها ضد الاحتلال العنصري الصهيوني وها هو الملك الأردني عميل السي آي أيه يحاول التخلص منها لصالح العدو وداعميه…

صحيح أنه أوقف تلك المذبحة ولكن قلبه الجريح توقف في ثالث أيام القمة التي قضاها في فندق النيل هليتون مكان المؤتمر دون راحة أو نوم وأصر أن يودع أمير الكويت آخر الحكام المغادرين في المطار في نهاية المؤتمر لتأتيه النوبة القلبية الأخيرة والتي لم ينفع معا تدخل الأطباء فقد توقف القلب المتعب بالعرب ومشاكلهم .

 لم يكن جمال عبد الناصر رئيسا مصريا او قائدا عسكريا بل كان صاحب مشروع نهضوي متكامل ،فقد طرح مبكرا منذ عام 1953 مشروعه في كراس أسماه ” فلسفة الثورة ” فصل فيه  مراحل و محطات مشروعه للنهضة بدوائره الثلاث العربية والإسلامية والافريقية، وقد حقق في الدوائر الثلاث مالم يستطع غيره تحقيقه في عشرات السنين فساهم بتحقيق الاستقلال من الاستعمار على الأرض العربية ” على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل ” فرحل الاستعمار عن مصر أولا بعد احتلال إنكليزي دام أكثر من  ثمانين عاما وكان استعمارا عسكريا واقتصاديا فأمم القناة ومصر البنوك والشركات الكبرى وحررها من سيطرة رأس المال الأجنبي وانهى إقطاع العهود السابقة بالإصلاح الزراعي بعد أن كان نصف بالمئة من المصريين غالبيتهم من أصول تركية كما الأسرة الحاكمة يملك 99 بالمئة من أرض مصر الزراعية وأنشئ القاعدة الصناعية العملاقة ببناء أكثر من ألف مصنع وبناء السد العالي الذي أنقذ مصر من الجفاف وأعطاها الكهرباء ومنع الفيضانات الكارثية…أما على مستوى الدول العربية فقد تحررت بدعمه كل دول المغرب العربي من الاستعمار الفرنسي بعد أن كانت فرنسا تعتبر الجزائر قطعة من فرنسا كما تحررت أيضا دول الخليج  وجنوب اليمن والسودان وخلص العرب من الأحلاف الغربية كحلف بغداد المعادي للعرب الذي تشكل يومها من باكستان وايران وتركيا والعراق وانكلترا وأمريكا… وأجهض مشروع أمريكا في ماسمته ملئ الفراغ بعد خروج الاستعمار ..وعلى صعيد أفريقيا دعم حركات التحرر مع قيام كتلة عدم الانحياز والحياد الإيجابي  التي كان ركنا رئيسيا فيها مع قادة الهند واندونيسيا ويوغسلافيا .أما على الصعيد الإسلامي فقد طور الأزهر فأصبح جامعة تخرج الاف الطلاب من شتى الدول الإسلامية وأدخل اللغة العربية إلى الأمم المتحدة وكان أول زعيم يتكلم أمامها باللغة العربية…

لا يتسع المجال لذكر جميع إنجازاته فاستحق بذلك أن يكون زعيما عالميا احترمه الجميع وأخاف الدول الكبرى بطموحه وانجازاته فوجهت سهامها نحوه  وفي عام 67 تجلى ذلك في المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية بمساهمة البعث السوري لفخ حزيران والتي أسماها الرئيس الأمريكي ” اصطياد الديك الرومي ” وحتى عند وفاته كانت أمريكا تجري مناورات بحرية مع إسرائيل قبالة السواحل المصرية أوقفت تلك المناورات وبررت بذلك أن المستهدف لم يعد موجودا…

هذا غيض من فيض من مسيرة هذا الزعيم العربي الذي فتح عيوننا على الحرية والكرامة والعدالة والذي لم يمهله العمر ليكمل مشروعه وترك على عاتق من آمنوا به لاستكمال مشروعه النهضوي الذي ما زال راهنا

رحم الله زعيمنا جمال عبد الناصر في ذكرى غيابه التي مضى عليه أكثر من نصف قرن وما زال حاضرا بيننا والخزي والعار للردة والمرتدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى