بداية القصة
وُلد بريغوجين عام 1961، في مدينة لينينغراد التي يتحدر منها بوتين أيضاً، ونشأ على يد أم عزباء، كانت تعاني من ضائقة مالية. ويعرف بريغوجين أوساط السجون جيّداً، فقد أمضى تسع سنوات في السجن في الحقبة السوفياتية لارتكابه جرائم.
وخرج من السجن عام 1990 عندما كان الاتحاد السوفياتي على شفير الانهيار، وأسس شركة ناجحة لبيع النقانق.
وارتقى السلّم بعد ذلك، وصولاً إلى فتح مطعم فخم أصبح من أهم مطاعم سان بطرسبرغ، حين كان نجم بوتين يصعد.
وبعد وصول بوتين إلى سدّة الرئاسة في عام 2000، راحت مجموعة بريغوجين توفّر خدمات طعام للكرملين، فحظي بلقب “طباخ بوتين”، وقيل إنّه حقق المليارات بفضل عقود عامة.
ويبدو أنه استخدم هذه الأموال لتأسيس فاغنر، وهو جيش خاص ضمّ في صفوفه أولاً مقاتلين قدامى أصحاب خبرة من كلّ من الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية.
تأسيس “فاغنر”
لا تزال أصول هذه المجموعة العسكرية الروسية الخاصة غير متفق عليها، ففي إحدى الفترات، كان الحديث يدور حول أنّ “فاغنر” تأسست في عام 2014، من قبل ضابط سابق في القوات الروسية الخاصة يُدعى دميتري أوتكين، لكن بريغوجين روى في العام الماضي قصة مختلفة.
قال بريغوجين يومها إنه قرّر إنشاء المجموعة بعد خروج تظاهرات من قبل الانفصاليين في شرق أوكرانيا في عام 2014، وإنه شخصياً قام بـ”تنظيف الأسلحة القديمة، واكتشاف السترات الواقية من الرصاص، والعثور على متخصصين بإمكانهم مساعدته في هذا الأمر”.
رواية بريغوجين هذه كان قد خالفها تقرير نشره موقع التحقيق الروسي “ذا بيل” عام 2019، مشيراً إلى أنه لم يكن لدى بريغوجين خيار في هذه المسألة، فقد توصل مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الروسية إلى فكرة “فاغنر”، واختاروا متعهد الطعام الذي كان متردداً في البداية، لتمويلها.
وعلى الرغم من الخلاف بشأن نشأتها، تمكنت المجموعة الروسية من ترك بصماتها في أماكن عدة، مع تنفيذها مهمات بالنيابة عن الكرملين. وكان لمقاتليها دور في ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وحاربوا بالنيابة عن الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس في أوكرانيا، وقاتلوا في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد، وتكبدوا خسائر كبيرة، وتوسّع نشاطهم ليشمل ليبيا والسودان ودولاً عربية وأفريقية أخرى.
وفق “ذا ماسنجر”، يُعتقد أن “فاغنر” عملت في 30 دولة تقريباً، أغلبها في أفريقيا، وأنها قدّمت خدمات أمنية لبعض حكوماتها مثل السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، مقابل حصول شركات مرتبطة ببريغوجين على امتيازات تعدين الذهب والماس. واتُّهم مقاتلوها بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل، والاغتصاب، والتعذيب.
من الظل إلى الضوء
وبدا أنّ النزاع في أوكرانيا وفر فرصة من ذهب لرجل الأعمال للخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعباً أساسياً في روسيا.
جنّد عشرات الآلاف من السجناء للذهاب إلى الجبهة حيث واجه الجيش الروسي صعوبات. وعلى العكس من كبار المسؤولين الروس، حضر بريغوجين في ميدان المعركة، وصوّر جثث رجاله، ليطالب بمزيد من الذخيرة.
في مايو/أيار 2023 بعد أكثر من عام من المعارك الشرسة والدامية، حقق بريغوجين هدفه بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق اوكرانيا، محتفياً بانتصار نادر للقوات الروسية على أرض المعركة، وإن استمرت المعارك في ما بعد.
لكن خلال هذه المعركة أيضاً تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي بقيادة فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو اللذين اتهمهما بريغوجين بحرمان فاغنر الذخائر، ونشر عدة لقطات مصورة شتم فيها القادة العسكريين الروس.
وهذا أمر لا يمكن تصور أن يقدم عليه أي شخص آخر في روسيا التي لا تتساهل مع مثل هذه المواقف. وتحوّل بعدها رئيس مجموعة “فاغنر” من أحد أهم رجالات سيد الكرملين، إلى ألدّ أعدائه، لتُعلَن اليوم وفاته، في قصة يبدو أن بوتين لم يكن بعيداً عن المشاركة في كتابة فصلها الأخير.
المصدر: العربي الجديد