رغم أني كنت في مرحلة المراهقة و الشباب سريع الانفعال كثير التوتر في النقاشات السياسية او العلمية..
إلا أن هذا الحال انقلب تماماً منذ دخولي العقد الثالث و اصبح الهدوء المفرط و التفهم و التقبل للاختلاف او حتى التعارض من سماتي الشخصية المؤصلة
و لا اذكر خلال ربع قرن الماضي أن استطاع احد إخراجي عن طوري إلا ما ندر.. رغم مئات الاجتماعات الحامية في العمل او غيره..
لكن اول امس استطاع مهندس صغير أن يفعلها
حيث كنا في اجتماع عمل لمناقشة حالة تدعيم خاصة للارض حول منشأة للتمكن من حفر الاساسات و اشتد النقاش حول الطريقة الامثل لاجراء عملية التدعيم.. و فجأة تدخل ذلك المهندس و كأنه أوجد الحل السحري قائلاً لماذا لا نجمد الماء في التربة بدل استخدام التدعيم !!؟
حقيقة لم اتمالك نفسي و انا انهال عليه بتوبيخ حاد خارج عن اللباقة..
فهذه الفكرة كان قد طبقها فعلاً مهندس صيني كان مديراً لمشروع في شمال الصين و وجد ان درجات الحرارة في المنطقة منخفضة ما بين ٥ – ١٠ مئوية و أن الارض مغمورة بالمياه الجوفية فقدم فكرة مشروع متكاملة لكيفية تجميد المياه الجوفية حول حدود المشروع للتمكن من حفره دون استخدام التدعيم التقليدي و قدم دراسة جدوى اقتصادية توفر الكلفة و توفر المساحة التي كان سيأخذها التدعيم من مساحة المبنى..
و قد قامت قناة ناشنال جيوغرافك بإنتاج حلقة كاملة عنه في سلسلة افكار هندسية عبقرية
و هي فعلا كانت فكرة عبقرية جدا.. و لكن عندما تم قصها و إعادة لصقها في الكويت حيث درجة الحرارة اعلى من خمسين في الظل و حوالي خمسة و سبعون في الشمس تكون نفس الفكرة في قمة الغباء و الاستفزاز..
و عندما راجعت نفسي ليلا استنتجت أن انفعالي المفرط لم يكن من هذا الشاب تحديدا بل هو تراكم كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي من القص و اللصق التي قد تحول أكثر الافكار عبقرية الى اكثرها غباء.. مع ذلك فأنت مضطر لرؤيتها او قراءتها دون ان تتاح لك مساحة التعبير الكافية لتفريغ الشحنة السلبية الناتجة عنها..
ان من اكبر مصائبنا هذه الايام هي النقل عبر القص و اللصق.. او بالاصح “القطش و اللحش”
المصدر: صفحة بسام شلبي