من نافل القول التذكير بأن أحد سمات نشاطاتنا وفعالياتنا وحراكنا كسوريين وثوريين في مسار ثورتنا على مدى اثني عشر عاماً انقضت والذي يبدو واضحاً بالنسبة لأي مراقب لأحداث الثورة السورية أن هذه الفعاليات والنشاطات إنما تظهر وتمارس كردات فعل على شعار أو تسمية أو عنوان يطلق على كل محطة من محطات الثورة والتي يعد ويخطط لها الفاعلون الكبار في الثورة السورية، بدءاً من المؤتمرات الأولى للثورة إلى تشكيل المجالس العسكرية أو المدنية إلى تشكيل الحكومة المؤقتة ومفاعيلها ومن ثم المجلس الوطني فالائتلاف وتفرعاته، إلى مؤتمرات استانه وسوتشي ومشتقاتهما، وكذلك محطة سقوط حلب ثم سقوط مناطق جنوب مدينة ادلب، إلى أخيراً، محطات التطبيع مع النظام العصابة وحيثياتها المعروفة.
إذ نجد أن في كل محطة من هذه المحطات تعلوا أصوات المؤيدن أو الشاجبين أو من يفوقهم من الواعظين والمحللين والدعاة ويتخم الواتس بالغرف الثورية وكذلك النوافذ الإعلامية، التي تعبر عن مثل ردات الفعل هذه تجاه الحدث، حتى إذا ما ظهر حدث آخر، انتقل الاهتمام وردات الفعل إلى الحدث الجديد، وهكذا.
هذا ما عشناه في كل محطة من المحطات سابقة الذكر وكذلك أخيراً في محطة مؤتمرات الجالية السورية الأمريكية، وآخراً كذلك حيث عشنا بالأمس القريب، مؤتمرين ثوريين في الداخل السوري، ومؤتمرات أخرى في الخارج كمؤتمر القوى الوطنية السورية وغيره.
ما يعنينا في هذا التقديم هو خطورة حال الثورة ومستقبلها والمفارقة الهائلة بين حاجة الثورة المعروفة والمتمثلة بإنتاج قيادة ثورية مخلصة تقود الثورة وتنظم عملها وتحافظ على بوصلتها وتؤهلها لمواجهة التحديات المختلفة التي باتت واضحة إلى العيان وأولها تحرير سورية من كافة الاحتلالات وتحصينها من التقسيم الذي باتت ملامحه تلوح في الأفق، وبين ما تنتجه هذه المؤتمرات والفعاليات من آثار ديماغوجية وارتجالية تتركها في الساحة الثورية والشعبية على المستوى المعنوي والتحشيدي.
ومن مخرجات تنظيمية مهلهلة، بل وتكاد تكون معدومة يمكن أن تفيد فيما لو تم انجازها بالشكل الأمثل والمسؤول في نقل الواقع الثوري نقلة نوعية تقربه نحو هدف انتاج القيادة الثورية.
المؤسف والمحزن أن شيئاً من ذلك لم يتحقق وأن حال الدوران حول الذات والاستنقاع والانتظار، هي الحال التي لازالت تتحكم فينا، وهو الأمر الذي يدعونا إلى المضي قدماً في العمل على شجب مفاهيم الواقعية السياسية والعمل السياسي المبني على هذه المفاهيم التي تقبض على عقلية وذهنية النخب المتنفذة في الحراك السياسي والثوري، والسعي الحثيث لبلورة نهج ثوري حقيقي علمي وموضوعي يقطع مع السائد من المفاهيم ويؤمن بأن المواجهة لا محالة من أجل تحقيق أهداف الثورة السورية العظيمة في الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال التي ذهب ضحيتها أكثر من مليوني شهيد.