بشكل مفاجئ، ودون تمهيد إعلامي، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليل الخميس الجمعة، قراراً تنشئ بموجبه مؤسسة مستقلة تحت رعاية الأمم المتحدة معنية بالمفقودين والمخفيين قسريّاً في سورية.
وتعتبر هذه الخطوة نقلة هامة لمعرفة مصير المفقودين والمختفين قسراً، في ظل تراخ مع القضية السورية بكل ملفاتها، وكذلك حالة التطبيع العربي مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية، الأمر الذي أوحى للبعض ببداية موت القضية السورية مع ملفاتها المتعددة والمعقدة.
وحصل مشروع القرار، الذي صاغته لوكسمبورغ، على تأييد 83 دولة، ومعارضة 11 وامتناع 62 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة. وما عدا قطر والكويت، كان من اللافت للانتباه امتناع عدد من الدول العربية عن التصويت، من بينها مصر والبحرين والجزائر والعراق والأردن ولبنان وموريتانيا والمغرب وعُمان والسعودية واليمن والإمارات.
وفي حين فصّل “العربي الجديد”، في تقارير سابقة، ماهية القرار الذي تبنته الجمعية العام للأمم المتحدة بعد أن تقدمت به لوكسمبورغ، يعود هنا إلى بداية فكرة القرار وصياغته والحشد له قبل تبنيه.
بداية الفكرة
يجيب مدير البرنامج السوري في المجلس الأطلنطي (مؤسسة بحثية غير حزبية)، قتيبة إدلبي، أحد الذين سعوا مع الجهات الفاعلة في الولايات المتحدة لإعداد مشروع القرار، ثم المضي به حتى صدوره، على سؤال “العربي الجديد” عن تفاصيل تلك الخطوات، كاشفاً أنّ الفكرة بدأت نتيجة دفع بعض الجهود الدولية، موضحاً أنّ لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسورية كانت أول من اقترح إنشاء آلية من هذا النوع ضمن تقريرها للعام 2017.
ويشير إدلبي، لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ “الكثير من البلدان التي مرت بحالات مشابهة لسورية كانت لديها آليات مثل هذه المؤسسة التي توصلت إليها الأمم المتحدة، كقبرص، الكويت، الأرجنتين، كولومبيا، تشيلي، وغيرها”.
ويضيف إدلبي أنّ “هذه الدعوة من قبل لجنة التحقيق الدولية تلقتها روابط العائلات ومجموعات الضحايا، وأصدرت ما يسمى بـ(ميثاق العدالة والحقيقة)، وطالبت من خلاله بإيجاد إطار غير سياسي لحل هذه المشكلة”، لافتاً إلى أنه “في ذات الوقت، عملت الحكومة الأميركية على هذا الموضوع، فعقدت استشارات مع أكثر من خمسين جهة سورية تمثل منظمات المجتمع المدني، وأعدّت تقريراً قدمته للإدارة الأميركية، وبعد ذلك، بدأت الولايات المتحدة بالتحرك مع الشركاء الأوروبيين للدفع بالموضوع داخل أروقة الأمم المتحدة، ثم كان هناك تقرير للأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) حول الآلية ونظام عملها شكلاً ومضموناً وطبيعة إدارة المؤسسة وكافة التفاصيل المتعلقة بها”.
خطان متوازيان
يوضح إدلبي أنّ “الإدارة الأميركية لم تكن مقتنعة بشكل كامل في البداية، لكن بعد تأمين لقاءات بين الإدارة والجهات المعنية، كروابط العائلات ومجموعات الضحايا، تجاوبت الإدارة مع المشروع، وأصدرت تقريراً يوصي بتبنيه قبل حوالي عام من الآن، ثم بدأنا العمل مع الدول بعد صدور تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة (فولكر تورك)”، مشيراً إلى أنّ “الإدارة الأميركية أخذت على عاتقها إجراء محادثات مع بعض الدول، في حين أننا نحن في المجلس الأطلنطي أجرينا محادثات مع دول أخرى من خلال ورشات تطرح مسودة لمشروع القرار، وتحاول مناقشتها مع بحث المخاوف والتعديلات الممكنة”.
وينوه إدلبي بـ”الدور الكبير لـ(ميثاق الحقيقة والعدالة) في إصدار مكتب المفوض السامي تقريره، الذي دفع به إلى الأمم المتحدة لتوضيح الحاجة لهذه الآلية”، مؤكداً أنّ الولايات المتحدة عملت بخط مواز مع جهود الأمم المتحدة بالدفع لتبني المشروع.
لكن لماذا تقدمت لوكسمبورغ بالمشروع وليس الولايات المتحدة؟ يجيب إدلبي بأنّ “الولايات المتحدة لم تكن ترغب أن تكون في الواجهة حتى لا يلتصق المشروع بها كمشروع أميركي، ما سيؤثر في عملية التصويت”.
عوائق في إقناع الدول
ويكشف إدلبي أنّ “العائق الأكبر كان إيجاد دولة من الدول النامية لتبني المشروع إلى جانب لوكسمبورغ، والدول التي طرح عليها الموضوع ولم تقبل هي: الكويت، الأرجنتين، تشيلي، البرازيل، المكسيك، قبرص وعدد من الدول الأفريقية، وعندما لم يتم الحصول على موافقة دولة أخرى لحمل القرار تم الذهاب لتقديمه من قبل لوكسمبورغ وحدها”.
ويشير إدلبي إلى أنّ “العائق الثاني كان يتمثل بحشد الأصوات لتمرير المشروع، فهناك دول كنا نعتقد أنها ستوافق بشكل تلقائي على المشروع، لكن تطلّب الأمر الكثير من المفاوضات معها، والدول التي كانت تتحفظ.. منها من كانت لديها أسباب محقة، وأخرى غير محقة”.
أما من جهة الأسباب “المحقة”، فيوضح إدلبي أنّ “أصحابها انطلقوا من أمرين؛ الأول أنّ هذا المشروع اعترضت عليه دول كثيرة أو لم يلق رضاها، أما الأمر الثاني فكان متعلّقاً بمن سيرأس هذه الآلية وصلاحياته، وكانت هناك مخاوف من تسييسها باختيار شخص له انحياز واضح للمعارضة السورية، كما أنّ هناك قلقاً لدى الدول حول الجانب المالي وتمويل الآلية، لا سيما أنّ تقرير المفوض السامي الخاص بالآلية ذكر في نهايته إنشاء صندوق لدعم الضحايا، ولم يكن مفهوماً ما إذا كان الدعم مخصصاً لعائلات الضحايا أو المجموعات، أو تعويض الضحايا أنفسهم، ففي الشق الأول يمكن أن يتم الموضوع بمبالغ بسيطة، أما تعويض الضحايا أنفسهم فيحتاج إلى مليارات من الدولارات، ومن هنا تخوفت الدول التي تدعم الميزانية العامة للأمم المتحدة من هذا الجانب، قبل أن يجرى توضيحه والذهاب إلى التوافق”.
أما الأسباب “غير المحقة” لبعض الدول، فكانت تتلخص، بحسب إدلبي، في “الاتهام حول تسييس الآلية، لا سيما أنّ مجموعات وروابط الضحايا التي تريد التوصل إليها هي ذاتها التي تطالب بمحاسبة النظام في الأروقة الغربية والأممية، وهذا الأمر كان حجة من بعض الدول غير الديمقراطية التي لديها بالأساس مشاكل في مسالة التغييب والاختفاء القسري”.
وبحسب تقديرات مختلفة للأمم المتحدة، فإنّ عدد المفقودين منذ عام 2011 وحده يفوق مئة ألف، لكنّ هناك مفقودين قبل هذا التاريخ، وتضاعفت أعداد المعتقلين والمفقودين منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد في مارس/ آذار عام 2011، ليصل العدد إلى نحو 156 ألف شخص، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، غير أن هذه الإحصاءات رسمية ويتطلب توثيقها الكثير من المعايير، فيما تشير المعطيات إلى أن الأعداد أكثر من ذلك بكثير.
المصدر: العربي الجديد