بين ليلة وضحاها… محافظة دمشق تزيل البسطات وأصحابها يستغيثون

طارق علي

نفذت السلطات السورية أخيراً حملةً أزالت خلالها كل البسطات التي ملأت الشوارع الرئيسية لمدينة دمشق، تاركة خلفها آلاف العاطلين عن العمل والأسر الجائعة، وسط وعود بإيجاد حلول قريبة لهؤلاء المتضررين الذين لا يرفعون سقف آمالهم إطلاقاً بتلك الوعود.

وبحسب عضو في المكتب التنفيذي لقطاع الأملاك في المحافظة، فإنّ الحملة تهدف إلى إزالة المخالفات تلك وعدم عودة البسطات إلى افتراش الأرصفة، مبيناً أنّ الحملة الحالية تستهدف كل البسطات الموجودة على الأرصفة بغض النظر عن زمن وجودها.

وأوضح أنّ عدد البسطات المزالة كبير جداً ويصعب إحصاؤه، مشيراً إلى أنّ الحملة لم تنته بعد ولا تزال مستمرة عبر دوريات نهارية وأخرى ليلية من محافظة دمشق، تتولى مهمة الإشراف على منع عودة تلك البسطات. لكن بعض التقديرات تشير إلى 25 ألف بسطة.

أسباب الحملة

وشرح مصدر مطلع في محافظة دمشق لـ”النهار العربي” أنّ المشكلة مع تلك البسطات كانت إشغالها حيزاً جغرافياً واسعاً طغى على الممرات المخصصة للمشاة وكاد يلغيها، وصولاً إلى إعاقة حركة مرور السيارات والدراجات النارية، ما تطلب إجراءات حازمة وضرورية وفورية، خصوصاً أنّ أعداد البسطات تلك تتنامى بشكل مطّرد وسريع شهراً بعد آخر.

وأضاف المصدر أنّ “تلك البسطات تشكل مخالفةً قانونية واضحةً وصلت إلى حدّ التعدّي على الأملاك القانونية للدولة والمواطنين في الوقت نفسه، لذا فإنّ المحافظة جادّة للغاية في حملتها هذه. ووصل الأمر إلى حدّ أنّ الناس ما عادت تستطيع المشي على الأرصفة بسبب الإشغالات الكثيرة والمتزايدة، وما عاد راكبو السيارات يجدون حيزاً للسير أو ركن سياراتهم حتى في أكثر أحياء دمشق أهمية، خصوصاً تلك التي في وسط البلد، والتي تشوهت لكثرة الإشغالات غير النظامية والتي حجبت واجهات المباني وأطراف الطرق”.

وأفاد المصدر بأن “ثمة دراسة لإنشاء أسواق تفاعلية ضمن توجه اقتصادي خاص لاحتضان أصحاب البسطات المزالة ضمن مدد زمنية تجري دراستها الآن”، من دون أن يبين المدة الزمنية المفترضة، وسط توقعات بأن يستغرق الأمر أسابيع وربما أشهراً.

“هل نحن فقط متعدّون؟”

مؤنس رجب، صاحب بسطة لبيع الجوارب في شارع الثورة وسط دمشق، أزيلت بسطته في الأيام الماضية أسوةً بغيره، قال: “الآن انتبهوا إلى أنّ بسطاتنا هي تعديات؟ البلد كلّها تعديات، ألم يروا كيف أنّ نصف أحياء العاصمة صارت أبنية مخالفة وممتدة عمودياً وأفقياً وكيف يحجز الناس بالقوة مواقف لسياراتهم باستخدام الحجارة أو الإطارات، وكيف تفتح المحال من دون تراخيص وكيف تتعدى على الجوار وكيف تُفتح مهن ممنوع مزاولتها داخل المدينة في وسطها، وكيف تزعج المطاعم جوارها وتحرمهم من الراحة ومئات الأمثلة…؟ لكنّهم رأوا بسطاتنا التي أزعجت كبرياءهم، وبعد قليل سيقولون إنّها كانت سبب الحرب في بلادنا”.

وتابع: “كم كنت أجني من بسطتي في الشهر، مئتي ألف، ثلاثمئة، خمسمئة، أياً يكن، كل عائلة تحتاج اليوم ملايين لتعيش، من سيصرف على أسرتي الآن؟ ماذا أفعل؟ لماذا تريد الحكومة أن نكرهها؟ أليس هذا إذلالاً؟ هذه لقمة عيش، وكافر من يحارب أخاه بلقمة عيشه”.

إنذار عبر الإنترنت

عماد الشيخ صاحب بسطة أخرى في شارع الثورة، أزيلت بسطته أيضاً، قال لـ”النهار العربي”: “لم يعطونا إنذاراً شفوياً واضحاً، قيل لنا إنّهم نشرواً إنذاراً على صفحتهم في فايسبوك قبل يوم أو يومين، من قال لهم إننا نمتلك رفاهية تصفح الإنترنت أو إننا أصلاً نمتلك أجهزة حديثة؟ كما جاؤوا إلينا على حين غفلة وأزالوا بسطاتنا. كان بإمكانهم إنذارنا بالطريقة نفسها قبل وقت كافٍ، ولكن ماذا أقول؟ حسبي الله ونعم الوكيل في من لا يداري لقمة الفقير”.

قصة مصيرية

“عرضوا علينا وزارات ولم نتسلمها؟ عيّنونا مديرين عامين ورفضنا؟ هل فتحنا بسطاتنا من كثرة الرفاهية في حياتنا؟”، قال بشار فرج لـ”النهار العربي” ساخراً وغاضباً بعد إزالة بسطته في دمشق.

وأضاف: “أريد جواباً واحداً من أصحاب هذا القرار، من سيطعم أولادي الثلاثة وأمّهم؟ ماذا سنفعل ريثما يأتون لنا بحلول؟ سمعت وعوداً ولكن للأسف ليس لنا ثقة بكل تلك الوعود، كلّ يوم يمر من دون أن نعمل هو يوم لن نستطيع إطعام أولادنا فيه، لو أنّهم أبلغونا قبل شهر أو شهرين لكنا تداركنا الكارثة قليلاً، ولكن ما هذه القصة المصيرية التي يؤخذ قرارها ليلاً وينفذ صباحاً؟”.

حملة إزالة البسطات امتدت سريعاً لتشمل ريف دمشق، وتركزت خصوصاً في مدينة جرمانا ذات الكثافة السكانية الأعلى على مستوى الريف، لتتطور بالتزامن وتدخل مدينة حلب شمال سوريا أيضاً، مع خشية أصحاب البسطات في بقية المدن من أن تصل الحملة إليهم، وهو أمر متوقع.

أشهر صعبة

بعيد التنفيذ الأولي للقرار أعاد بعض أصحاب البسطات بسطاتهم إلى مواقع مشابهة أو مواقع مغايرة، فحلول المياومين في سوريا تكاد تكون شبه معدومة، وتحمل تلك العودة رغم محدوديتها وإصرار المحافظة على مكافحتها تحدياً واضحاً.

وإن كانت فعلاً ثمة دراسة لإعادة البسطات تلك إلى أسواق تفاعلية، فسيكون جيداً، ولكن متى يحصل ذلك، خلال شهر أو أشهر؟ يوم واحد يؤثر في حياة هؤلاء الناس البسطاء فكيف بأشهر يقول عنها اقتصاديون إنّها أكثر صرامة من كل ما مضى في العقد الفائت من الحرب السورية.

المصدر: النهار العربي

زر الذهاب إلى الأعلى