دمشق وأنقرة… لا مؤشرات على تطبيع وشيك للعلاقات

عماد كركص

لا تبدو التوافقات حاضرة بين دمشق وأنقرة للخروج بصيغة واضحة لتطبيع العلاقات بينهما. فالواضح أن كلا الطرفين يشكك إلى الآن بحسن نوايا الآخر، مع اعتقاد النظام في دمشق بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” يريد من هذا التقارب، أو التطبيع، ورقة انتخابية محضة لرميها في الداخل التركي لتخفيف التوتر وتحويلها إلى أصوات في صندوق الانتخابات.

ولا يريد رئيس النظام السوري بشار الأسد إعطاء هذه الورقة لأردوغان بعد 12 سنة من العداء والقطيعة. في المقابل، تشكك أنقرة أساساً بجدية النظام في تطبيق أي تفاهمات يمكن التوصل إليها. وقبل كل ذلك لا يبدو أنها مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة كسحب قواتها من سورية، أو الوعد بذلك على الأقل، وهو الشرط الذي يضعه النظام لتحقيق التطبيع، أو المضي فيه.

وبالتزامن مع تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن عن تأجيل الاجتماع الرباعي المقبل بين النظام وتركيا وروسيا وإيران، كانت تصريحات مسؤولين أتراك تؤكد إصرار أنقرة على أن الحل السياسي في سورية، يجب أن يعتمد على المرجعيات الأممية، وتحديداً وفق القرار 2254، والتشديد كذلك على عدم قبول الانسحاب العسكري التركي من سورية قبل إقرار الحل، وأن الانسحاب يضر بمصالح الأمن القومي لتركيا.

الاجتماع الرباعي بعد الانتخابات التركية

ونقلت قناة “روسيا اليوم”، أمس الأول الخميس، عن قالن قوله إن “الاجتماع الرباعي المقبل (الروسي، التركي، الإيراني، السوري) في موسكو، سيعقد بعد الانتخابات الرئاسية التركية (14 مايو/أيار المقبل). أصدقاؤنا (الروس) يعملون على تحديد تاريخ لاجتماع جديد في موسكو”. وأكد أن صيغة الاجتماع الرباعي يجب أن تستمر من دون شروط مسبقة.

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، رداً على سؤال خلال مقابلة مع قناة “أن تي في” التركية أمس الأول، حول إمكانية حصول لقاء بين قائدي تركيا وسورية في إطار الصيغة الرباعية: “نحتاج إلى إجراء الاستعدادات المناسبة، ومن الضروري أن تكون الظروف مهيأة لذلك. هناك طريق يؤدي إلى ذلك، ونحن نقوم بكل ما يتعلق بذلك”.

وكان أكار أعلن، في أعقاب الاجتماع الرباعي الذي احتضنته موسكو على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات الثلاثاء الماضي، أن أنقرة أعلمت المجتمعين بأن القرار 2254 هو الأساس للحل في سورية مع جميع الأطراف.

وعاد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، للحديث أمس عن عدم اليقين في ما يتعلق بتوقيت الاجتماع الرباعي على مستوى وزراء الخارجية، بالقول إن الاجتماع الذي كان من المفترض أن يعقد بداية أيار/ مايو المقبل، قد يتأجل إلى ما بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق (مقررة الأسبوع المقبل)، مضيفاً: “وفقاً للمعلومات الواردة من الروس، نتوقع أن يكون هناك اجتماع رباعي قبل الانتخابات” التركية.

لكن جاووش أوغلو أكد بما يخص شرط النظام الانسحاب التركي من سورية بأن “هناك عملية سياسية، وقرارا من الأمم المتحدة، بدون تطبيقهما لا فائدة لسورية من سحب قواتنا منها. إذا انسحبنا سيأتي آخرون”. وشدد على أن الانسحاب يهدد الأمن القومي التركي كذلك.

وكان مندوب تركيا في مجلس الأمن سادات أونال أكد، ضمن جلسة لمناقشة تطورات الأزمة السورية، مساء أمس الأول، أن أولوية بلاده “ثابتة وواضحة تتمثل بحل سياسي وفق القرار 2254”.

وشهدت الجلسة، التي تضمنت إحاطة للمبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، هجوماً فرنسيا أميركياً على النظام بوصفه لا يزال يرتكب الانتهاكات، ويرفض الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب.

وبعد آخر لقاء رباعي على مستوى وزراء الدفاع ومسؤولي الاستخبارات في موسكو، نفت دمشق ما ورد في البيان التركي الروسي الإيراني عن وجود خطوات ملموسة حول تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. وقال مسؤول من النظام، لصحيفة “الوطن” الموالية له، أنه “بغير انسحاب القوات التركية من سورية لن يكون هناك علاقات طبيعية مع أنقرة”.

مسار التطبيع تحكمه المصالح

كل ذلك يدلل على أن مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، تحكمه الحسابات المرتبطة بعدم الثقة بين الطرفين، وأن كل طرف يريد تحقيق مصالحه دون التنازل للآخر، ما يفضي في السياسة إلى عدم حدوث نتائج ملموسة على الأرض، بحسب مراقبين.

ورأى الصحافي والمحلل التركي هشام غوناي أن الزخم الروسي هو الذي دفع باتجاه عقد الاجتماعات الأخيرة، سواء على مستوى وزراء الدفاع أو مسؤولي الاستخبارات أو مساعدي وزراء الخارجية.

وأشار، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن تركيا أعلنت، على لسان أردوغان وغيره من المسؤولين، الاستعداد لعقد لقاء بين الرئيسين قبل الانتخابات، لكن مماطلة الأسد والنظام حالت دون ذلك، وهذا يفيد بأن الأسد يرقب نتائج الانتخابات، ولا يريد إعطاء دفع إيجابي لأردوغان وحزبه قبل الانتخابات من خلال التقارب.

وأضاف غوناي، حول مستقبل عملية التطبيع بعد الانتخابات، أنه في حال فوز المعارضة، فإن كل تلك الاجتماعات ستكون بمثابة الملغاة، لكن في حال فاز أردوغان وحزبه، أعتقد أنها ستستمر وسيلتقي الأسد مع أردوغان، لكن علينا أن ندرك، أنه ورغم مطالبة المعارضة بفتح قنوات مع دمشق، إلا أنها بشكل أو بآخر مدعومة من الغرب، المعادي أو المتحفظ على الأسد، وبالتالي ستكون هناك شروط أخرى، لكن رغم كل ذلك، ببقاء “العدالة والتنمية” أو رحيله، ستستمر عملية التطبيع باعتقادي، لكن بشروط الطرف الموجود في الحكومة.

ووافق المحلل السياسي السوري، طه عبد الواحد، المقيم في موسكو، غوناي في ما يتعلق بعزم أنقرة الاستمرار في السعي لتطبيع العلاقات مع دمشق في حال فوز أردوغان في الانتخابات.

لكنه أشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “الموقف التركي سيكون أكثر تشدداً وستتباطأ وتيرة الاندفاع في موضوع التطبيع، أي أن قواعد اللعبة ستتغير كلياً، لأن التطبيع مع الأسد سيفقد أهميته كورقة يحاول أردوغان والمرشحون الآخرون تسخيرها لخدمة حملاتهم الانتخابية”.

واستبعد عبد الواحد أن يتم تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الشأن قبل الانتخابات، “ذلك لأن أردوغان يركز حالياً على الحملة الانتخابية، وثانياً لأنه من غير المرجح أن يتخذ خطوات حاسمة في ملف التطبيع قبل أن يتأكد من الفوز بالرئاسة، لأنه إذا بدأ باتخاذ خطوات جدية في ملف ما، فهذا يعني أن لديه خطة ويريد المضي فيها، لهذا لن يبدأ بأمر لا ثقة مطلقة لديه بأنه سيتمكن من المضي فيه”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى