غادر ميشال عون قصر بعبدا مغلِقًا وراءه باب قصر الرئاسة الأولى، وتاركًا اللبناني في حيرة يتساءل بشأن شكل الرئيس المزمع انتخابه. فهل ستتكرّر مشهدية انتخاب عون عام 2016 عندما جرى تعطيل البلد أكثر من عامين ونصف العام قبل المجيء به رئيسًا بدعم مطلق من حزب الله؟
قدّم سليمان فرنجية مرّة جديدة رؤيته الرئاسية بعد لقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، عاكسًا بمواقفه مناخ التسويات الجارية في المنطقة، ومشدّدًا على أهمية استفادة لبنان منها للخروج من أزمته. ويستشفّ المستمع إليه أن أزمة لبنان باتت على طريق الحلّ، وليس أمام هذا البلد إلا بضع خطوات كي يصل إلى برّ الأمان. إنه يستند، في نظرته التفاؤلية، إلى حالة التسويات التي حصلت وتحصل في المنطقة، من انفتاح سعودي إيراني، وآخر سعودي سوري، إضافة إلى دعم فرنسي خارجي، وتسميته من حزب الله باعتباره مرشّحه الأوحد.
يواجه الوزير فرنجية معارضة داخلية لا تقلّ أهمية عن الدعم الخارجي الذي يستند إليه، من الفرنسي والسعودي، فأكبر كتلتين مسيحيتين، التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، ترفضان وصوله إلى سدّة الرئاسة من خلال تأمين النصاب الدستوري، ثلثي المجلس النيابي بحسب المادة 49 من الدستور اللبناني: “ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي”.
ترتفع أسهم وصول فرنجية إلى الرئاسة حينًا وتنخفض أحيانًا تمامًا كاللعب في البورصة، فحظوظ فرنجية المسمّى من حزب الله الرئاسية تتأثر بالتسويات الحاصلة في المنطقة، فالتقارب الإيراني السعودي أرخى بظلاله ارتياحًا، حيث يعد وصول فرنجية من ضمن التسوية الكبرى التي تسعى الرياض وطهران إلى تثبيتها من اليمن وصولًا إلى لبنان. ولهذا، يعتبر فريق من اللبنانيين المعارضين وصول فرنجية أن انتخابه يعني تسليم لبنان إلى إيران، أي دخوله تحت مظلة النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد كتبت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن “حرب الظل” الطويلة بين إيران وإسرائيل ستنتقل إلى مرحلة جديدة، وأفادت بأن “قائد فيلق القدس زار لبنان بعد عملية إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني، حيث التقى حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين في السفارة الإيرانية في بيروت”.
تسعى إيران إلى توحيد صفوف وكلائها في المنطقة في وجه إسرائيل. لهذا السبب، يعمل حزب الله على إيصال فرنجية لتغطية حضوره على الساحة الرسمية كما فعل ميشال عون من قَبل. والحزب غير مستعدٍّ للتراجع عن ترشيح فرنجية، لأنه أنتج مع انتخاب عون معادلة “الرئيس الذي يصنعه الحزب”، وأي تراجع عن ذلك يعني خسارته موقعه صانعا لرؤساء لبنان.
يُعتبر فرنجية تاريخيًا من العائلات المقربة جدًا من النظام السوري، وهو الذي لا يترك مناسبة إلا ويعبّر فيها عن متانة الصداقة بينهما. لهذا يعتبر أنه قادر على تقديم ضمانات بشأن عودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلادهم، ضمن تسوية بين سورية ولبنان، إلا أنّ معارضيه يرون أنهم أخرجوا هيمنة النظام من الباب عام 2005، بينما يريد فرنجية عودته من النافذة إن أصبح رئيسًا للجمهورية.
وقد صرّح فرنجية من مقرّ البطريركية المارونية: “من أول يوم، لم تكن لي أي نظرة عدائية لأي بلد خاصة السعودية، ونحن لا نريد إلا الخير للعرب والسعودية”. وقد عدّ بعضهم كلمته هذه من باب التملق لأخذ رضا المملكة. وقد ذكرت معلومات صحافية أن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري سيلتقي قريبا قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، وذلك مع بدء حديث عن انفتاح سعودي على البحث في اسم فرنجية رئيسا للجمهورية بعدما كانت قد وضعت “فيتو” عليه.
يرى الفريق المعارض لفرنجية، وفي مقدمه التيار الوطني الحر، أن الرجل هو من ضمن المنظومة الفاسدة التي نهبت لبنان، وأن وصوله إلى الرئاسة مطلب من حليفه حركة أمل لمنع تطبيق قانون “التدقيق الجنائي” الذي أقرّه المجلس النيابي، لأنّ فرنجية كان مشاركًا في أغلبية الحكومات منذ اتفاق الطائف في 1989، وأن على فريقه، بحسب “التيار”، شبهات فساد في ملفات كثيرة، ولديه وزراء عليهم عقوبات أميركية بتهمة الفساد وهدر المال العام. ولكن موقف “التيار” هذا، الرافض فرنجية، سيكون مقبولًا لأي شخصية أخرى لا يعارضها حزب الله، لما يمثّل فرنجية من تحدٍّ لمستقبل جبران باسيل السياسي، لا سيما أن الاثنين من الدائرة الانتخابية نفسها.
قد تكون حظوظ وصول فرنجية إلى رئاسة لبنان مرتفعة اليوم، لا سيما أن حزب الله لم يزل متمسكًا به، والسعودية بدأت “تلين” في موقفها تجاه اسمه، وبعض أفرقاء الداخل داعمون له، إلا أن هذا سيكرّس مزيدًا من الانهيارات للبنان لعدم محاسبة الفاسدين على مختلف الصعد، ومزيدًا من الهيمنة الإيرانية على مراكز القرار فيه عبر تسليمه من المملكة، ومزيدًا من تدويل لبنان وضرب سيادته واستقلاليته.
المصدر: العربي الجديد