يقال باللهجة العراقية “التاجر من يفلس يرجع لدفاتره القديمة”. اي أن التاجر حين يخسر ماله يعود إلى سجلاته القديمة، بحثا عن المدينين له عسى ان يستعيد ما يعينه على الدنيا. ويبدو ان عملاء الاحتلال في المنطقة الغبراء، قد خسروا كل ما لديهم من ادوات وطرق واساليب، لانهاء الثورة العراقية، او الالتفاف عليها، او اقناعها بحلول ترقيعية. الامر الذي دعاهم للعودة الى الدفاتر القديمة والبحث عن طرق واساليب بعيدة عن الاتهامات الباطلة وتشويه سمعة الثورة والتشكيك باهدافها كونها فشلت فشلا ذريعا. عسى ان يجدوا في هذه الدفاتر ما يعينهم على الخلاص من نار الثورة والافلات من قبضة ابنائها. وقد تمثل ذلك في نشر دعايات كاذبة ونسج احداث وهمية وطمس حقائق وفبركة وقائع وافتعال خلافات وصراعات لا وجود لها، وصولا الى رسم صورة تبشر بتراجع الثورة، وانكفائها، وانفضاض الاقربين من حولها، ثم استسلامها للامر الواقع، وقبولها بمصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة الجديدة، ومبايعته بانتظار ما يجود على ابنائها الثوار من مكارم. مثل اطلاق سراح بعض المعتقلين او تحسين ظروفهم الحياتية واوضاعهم المعاشية.
من بين الاجراءات التي لجأ اليها هؤلاء الاشرار، افتعال انقسام في صفوف الثورة. فصوروا عملية طرد مقتدى الصدر وتياره من ساحات التحرير، وعزل مجاميع الحزب الشيوعي الصغيرة، لمحاولتهم حرف مسيرة الثورة، بانها انشقاق داخل صفوف الثورة، ادى الى التحاقهم بالحكومة وبعمليتها السياسية. وساقوا الدليل على ذلك، بالإشارة الى الصفقة العلنية التي عقدها مقتدى الصدر باسم قائمة سائرون، مع المليشياوي هادي العامري باسم قائمة الفتح، التي نتج عنها مبايعة مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة العراقية. ومن بينها، فبركة تيار من داخل الثورة أعلن عن ميله الى التريث ومنح فرصة للحكومة الجديدة لتحقيق مطالب الثوار، كما لجأ هؤلاء الاشرار الى قبول الثوار باقتراح الكاظمي لتشمل هذه الفبركة الاعلان عن تشكيل مجلس شبابي من ساحات التحرير يشارك الحكومة في انجاز مشروعها الاصلاحي. ولتمرير هذه الكذبة اصدرت أطراف من العملية السياسية بيانات تطالب الكاظمي بوقف التعامل مع الارهابيين، اشارة الى المجلس الشبابي المزعوم. ومع ذلك وعلى الرغم من ان هذه المحاولات بائسة جدا، الا اننا بحاجة الى فضحها وتعريتها، تحسبا من احداث بلبلة في صفوف بسطاء الناس، الذين يؤيدون الثورة والثوار.
ولكي لا نطيل، فان مقتدى الصدر بتياره لم يكن اصلا جزءا من الثورة، او من الانتفاضات التي سبقتها لكي ينفصل عنها، كما لم يسبق وان خرج من العملية السياسية يوما واحدا حتى يعود اليها، وانما اختص هذا الدجال بالتسلل الى صفوف الثوار لممارسة لعبته القذرة، بركوب موجة الثورة وحرف مسيرتها
وتقزيم اهدافها لينتهي بها الى الفشل. وقد نجحت هذه اللعبة الحقيرة مرات عديدة. ثم كيف يكون مقتدى مع الثورة التي تطالب بإسقاط العملية السياسية، وهو الذي عاش في ظلها وتنعم بخيراتها ونال الجاه والسلطة والمال بفضلها، بعد ان كان شخصا معدما لا اهمية له سياسيا او اجتماعيا ولا حتى دينيا، فهو رجل امي ومتخلف. اي كما يقال لا قيمة له لا بالعير ولا بالنفير؟ واذا كانت هناك شكوك حامت حول هذه الحقيقة، فان الاعلان عن انتمائه للعملية السياسية والمليشيات المسلحة بهذه الصراحة والوضوح، قد انهى هذه الشكوك تماما. خاصة وان مقتدى قد ارتكب جريمة كبرى على رؤوس الاشهاد، حين اخذ على عاتقه قتل الثوار، نيابة عن قوات الحكومة، المسماة بقوات مكافحة الشغب، وقوات المليشيات المسلحة. بل تباهى هذا الدجال بفعلته المشينة هذه، وسماها في مقابلة تلفزيونية على الهواء “جرة اذن”. اما الحزب الشيوعي فانه لا يستحق اي جهد لإثبات انتمائه للعملية السياسية منذ اليوم الاول للاحتلال الامريكي للعراق، ودخول امينه العام آنذاك حميد مجيد موسى، الملقب بحميد طواطة، عضوا في مجلس الحكم الذي اسسه الحاكم المدني للعراق بول بريمر، بصفة شيعيا لا شيوعيا ولله في خلقه شؤون. اضافة الى قبول هذا الحزب بدور السمسار لدى مقتدى الصدر والمروج لتياره والدخول معه في الانتخابات الاخيرة بقائمة موحدة اسمها سائرون. مما جعل الحزب بموقفه هذا محض مناسبة للتندر في المجالس الخاصة والعامة.
اما المجلس الشبابي والوفود التي التقت بالكاظمي فقد افتضح امرها هي الاخرى، كما افتضحت شبيهاتها من المحاولات السابقة، التي قام بها رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وبرهم صالح رئيس الجمهورية. ولا نزال نذكر كيف استضاف الحلبوسي مائة من الثوار وناقش طلباتهم على الهواء مباشرة، وكيف افتضح امر هؤلاء المائة في نفس اليوم، مثلما نذكر المحاولة الاخرى الباهتة لبرهم صالح والتي كانت مفضوحة اكثر من مسرحية الحلبوسي. اما الثوار فقد أصدروا بيانات واضحة نشرت في ساحات التحرير وعلى موقع الثورة الالكتروني، كذبت كل من ادعى بانه ممثل عن الثورة، او فاوض باسمها وقالوا ان دماء الشهداء غير قابلة للتفاوض. وبالتالي يمكن القول وبالدليل القاطع بان هذه المحاولات البائسة لم تضر بالثورة كما تخيلوا، وانما العكس صحيحا تماما. حيث قدمت خدمة جليلة للثورة. فهي انهت سياسة الدجل والانتهازية لمقتدى وذيله رائد فهمي ابطال قائمة سائرون. اذ لم يعد بامكانهما وضع قدم مع الحكومة، وقدم اخرى مع الثورة. الامر الذي دفع الثوار الى فضحهم وتعريتهم، بعد ان كانوا يغضون الطرف عن تلك السياسات، ويكتفون بالاشارة اليها حرصا على وحدة الصف، وهو الذي كلف الثورة كثيرا وأخر مسيرتها.
نعم لقد شكلت هذه القوى المعنية عبئا ثقيلا على الثورة العراقية، جراء خداعها للعراقيين وتصوير انتمائه للعملية السياسية، فعلا يدخل في نطاق “المقاومة السياسية” التي لا غنى عنها كما يروجون لانهاء الاحتلال واستعادة الحقوق
المشروعة للشعب العراقي!!!!، الامر الذي ولد ارباكا في الوسط العراقي، بحيث اصبح من الصعب التصدي لهذه القوى وفضح مواقفها وكشف الاسباب الحقيقة التي تقف وراءها. والمصيبة، ان هذه القوى لم تسلك هذا الطريق جراء قناعات او استنتاجات خاطئة حتى يمكن تصحيحها، عبر الحوار، او من خلال تبصيرها بمخاطر نهجها وسياستها العبثية، وانما سلكت هذا الطريق لتحقيق اجندة خاصة ومكاسب فئوية ضيقة. وبالتالي كان من المفيد جدا ان يفضح هؤلاء الاشرار انفسهم وبهذه الصراحة والوضوح.
اما الأهم من كل ذلك، فان وضع حد لنهاية هؤلاء الذين يخادعون الناس ويضحكون على انفسهم، سيجعل من الصراع الدائر على ارض العراق صراعا واضحا ومحددا بين قوتين، هما قوى الحق الممثلة بالثورة العراقية، وقوى الباطل الممثلة بالمحتل وعملائه في المنطقة الخضراء، ومن ضمنهم مقتدى الصدر وتياره والحزب الشيوعي وبقاياه. وهذا امر مهم في مسيرة الصراع، سواء بين اطرافه او ما يخص اهدافه، بل هو احد الشروط اللازمة للانتصار. اما الخشية من تاثير هذه المحاولات البائسة على عموم الناس وانعكاساته الضارة على الثورة، فقد اثبتت الوقائع والاحداث بطلانه. حيث انتشرت نيران الثورة لتشمل مساحات اكبر ويلتحق الناس بصفوفها افواجا. بل ان انتقال التيار الصدري الى مرتزقة وقتلة ماجورين ضد الثوار، زاد من نقمة الجماهير عليه. ولا اجازف اذا قلت بان القسم الاعظم من الناس المخدوعة بمقتدى الصدر او الحزب الشيوعي في هذا الظرف بالذات، سينبذهم ولن يقبل من الان فصاعدا أي تبرير او تفسير غير المنطق الثوري، فلا طريق لاستعادة الوطن المنهوب غير طريق الثورة.
هذه الحقيقة لا تحتاج لاثباتها الدخول في مناقشات سياسية او تحليلية، ولا هي بحاجة لنظرية، فهي قد شرحت نفسها بنفسها، من خلال فكرها الذي كتبته وترجمته الدماء الطاهرة الزكية. ولا يفيد ايضا الانزلاق في التفاصيل وشرح ما هو واضح وجلي حول أهدافها واهمها اسقاط العملية السياسية برمتها. ولا حول حتمية انتصارها. فالثورة قد ترسخت في عقول العراقيين ووجدانهم، من اقصى شمال العراق الى اقصى جنوبه، ومن شرقه الى غربه. فهي دخلت الى كل مدينة وبلدة وحي وشارع وبيت. هي حاضرة في المساجد والكنائس، في المدارس والجامعات، في صفوف العمال والفلاحين، بين الاطباء والمهندسين والمحامين والادباء والرياضيين والفنانيين، ومن سائر القوميات والمذاهب والاديان. بعبارة مختصرة، الثورة اصبحت كمثل الشجرة الطيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء.
ولكن هذا ليس كل شيء، فابناء الثورة اليوم قد اصبحوا على استعداد لدخول معركتهم الفاصلة التي لا يقبلون فيها بغير الانتصار. فهؤلاء الاشرار، لا زالوا في غيهم يعمهون بدل النجاة بجلودهم، ظنا منهم بان الثورة غير قادرة على مواجهة قوتهم العسكرية ومليشياتهم المسلحة، ونسيوا شعار الثوار “اما وطن او كفن”. بمعنى اخر، فان الثوار قد شطبوا من ذاكرتهم التفكير بالاستسلام او التنازل او انتهاج سياسة فن الممكن، او مقولات التصرف بالعقل وليس العواطف، او الخضوع للابتزاز بعدم تجاهل القوة الضاربة للمحتل وللحكومة العميلة. حيث اصبحت كل هذه المفاهيم والمقولات في خبر كان، لانها اصبحت تتعاكس مع ثوابت الثورة الوطنية من جهة، وقدرة الشعوب على انتزاع حقوقها مهما بلغ اعداؤها من قوة وباس من جهة اخرى. وبالتالي فان عدم فهم هذه الحقيقة سيؤدي بهؤلاء الاشرار الى حفر قبورهم بايديهم. لانهم اذا كانوا قادرين على قتل الثوار فانهم غير قادرون على قتل الثورة. ولا اذيع سرا بان الثورة لم توظف بعد كل ما لديها من مواطن القوة ومن رباط خيلها. واذا حدث وجاء اليوم الموعود فستضيق بهؤلاء الاشرار ارض العراق وسيولون الادبار هاربين كالجرذان المذعورة طلبا للنجاة بجلودهم، وان غدا لناظره قريب.
المصدر: كتابات