خلال التحضيرات المستمرة لانعقاد القمّة العربية في السعودية، وإلى جانب الحيز الكبير الذي تحظى به مسألة دعوة سوريا للحضور، حظي لبنان بجزء من النقاشات أيضاً. فحالياً، وبحكم الأمر الواقع، سيتمثل لبنان برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، طالما أن هناك تعثراً على خط انتخاب رئيس الجمهورية. لكن ذلك فتح الباب أمام استمرار التواصل بين الدول العربية حول الملف اللبناني. يأتي هذا التواصل في موازاة الاتصالات الفرنسية السعودية المستمرة. إلا أن النقاش العربي يحاول طرح أسئلة كثيرة حول مستقبل لبنان وصيغته. وتجتمع الرؤى على وجوب حصول تغيير سياسي، ولو طال ذلك الطبقة السياسية، خصوصاً في ظل إصرار القوى العربية على ضرورة تطبيق اتفاق الطائف. أي الدخول في مرحلة جديدة من المراحل السياسية للطائف. وهذه تقتضي فرض متغيرات عديدة.
تناقض حيال سوريا ولبنان
يعني ذلك أن ما تسعى بعض القوى العربية إلى تثبيته لبنانياً، هو الوصول لقناعة مفادها أنه على الطبقة السياسية الاقتناع بوجوب تغيير الأداء جذرياً، ولو اقتضى ذلك غياب شخصيات سياسية عن المشهد، لا سيما أنه لم يعد بالإمكان تكرار التجارب السابقة في ظل الانهيارات التي وصل إليها الوضع في البلاد. إلا أن اللافت والذي يستغربه بعض المسؤولين، بأن هذا التشديد العربي على مسألة التغيير في لبنان، تناقضه تطورات الوضع السوري. إذ أن عدداً من الدول العربية تسعى إلى توجيه الدعوة لرئيس النظام بشار الأسد، وتتعاطى معه بحكم الأمر الواقع. وبالتالي، لم تعد تبحث عن أي تغيير. بينما هناك وجهة نظر معارضة لذلك، وتعتبر أن المسار العربي المفتوح مع دمشق هدفه أن يؤسس إلى تغيير في مرحلة لاحقة، وبحال لم يتحقق ذلك فلن يستمر التواصل والتطور، ولن يتم الوصول إلى حلّ سياسي.
بالعودة إلى لبنان، وانطلاقاً من هذه القراءة الداعية إلى التغيير، يعتبر بعض المسؤولين العرب، أن لبنان وبعد كل الانهيارات التي يعيشها، والفضائح السياسية والمصرفية والمالية، لا يمكنه أن ينهض من جديد بالآليات السابقة نفسها. ولذلك، لا بد من البحث عن معادلات جديدة، وإن لم تكن واقعية بالنسبة إلى بعض اللبنانيين أو القوى الأجنبية. وفي ذلك ردّ مباشر على الطرح الفرنسي الذي يعتبر أن خيار انتخاب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، هو خيار واقعي ولا بد منه، فيما يتناقض ذلك مع كل الكلام الفرنسي وطروحات باريس حول ضرورة الإصلاح والتغيير.
تغييرات واسعة
من ضمن النقاشات المطروحة عربياً أيضاً، هو وجوب دخول لبنان في مرحلة جديدة، وإذا كان عنوانها الولوج إلى “الطائف الجديد”، أي تطبيق الاتفاق كما هو، وليس كما كان واقعاً، فهي توجب إحداث تغييرات كبيرة في الطبقة السياسية المشكِّلة للحكم، وتغيير جذري لآلية التعاطي السياسي والاقتصادي والمالي. لا سيما أن خروج لبنان في التسعينيات من مرحلة الحرب والدخول إلى حقبة الطائف بنسخته السورية، استدعى أيضاً تغييراً كبيراً في الطبقة السياسية اللبنانية، ودخول عناصر جديدة على طبقة الحكم. هذا نفسه ما يفترض أن يحصل اليوم، في حال كان السعي جدياً للنهوض والإنقاذ، والخروج من منطق رئيس جمهورية لطرف مقابل رئيس حكومة لطرف آخر.
تحت هذا التصور، يستمر النقاش العربي في مواصفات رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، في محاولة للردّ على المقاربة الفرنسية.
المصدر: المدن