هذا المقال المحكم، والكاشف لحقيقة تاريخية نجدها في كل عصر، وتمارسها كل القوى القادرة حينما تتجرد من سلم القيم، وتتحكم بها سلالم المصالح.
وإذ نقف على كذبة القرن المتمثلة بتلك المبررات التي أعطيت لغزو واحتلال وتفكيل العراق دولة ومجتمع. ولارتكاب الغازي لجريمة القرن التي فاقت كل تصور.
وإذ ينقل الدكتور يوسف الحسن تقديرات جهات معينة لتكلفة الغزو بتريليونين دولار، ولا أدري إن كان صار ممكنا حساب التكلفة دون أن نضع في ختام الحساب كلمة”حتى إعداد هذه القائمة”، فإن قائمة التكاليف والخسائر البشرية والمادية ما زلت في تصاعد.
نحن الذين أدنا الغزو، والاحتلال، ووصفناه بأنه جريمة العصر، التي بنيت على كذبة العصر التي بات الجميع بمن فيهم أولئك الذين اخترعوا يقرون بهذه الصفة لها، هل نستطيع نحن ومن يقف منها أن نعمل على بناء ملف موثق لهذه الجريمة، على المستوى الضحايا البشرية. وعلى مستوى التكاليف المادية، وعلى مستوى الدمار الحضاري والاجتماعي، وعلى مستوى الانتهاكات الثابتة للقيم والحقوق الانسانية التي تحكم تصرفات المتحاربين وقت القتال، وأن نضع هذا الملف أمام المحاكم الدولية والوطنية التي تتيح المحاسبة على هذه الجرائم، وأن نحول ذلك كله إلى أرقام نطالب بها الولايات المتحدة، وكل الدول التي ساهمت في هذه الجريمة وهذه الكذبة، التي ارتكبت خارج إطار المنظمة الدولية وآلياتها، وخارج نطاق القانون الدولي وأحكامه.
إن ما فعله الغزو والاحتلال في العراق أكثر فظاعة مما ينقل لنا عما فعله النازي باليهود في الحرب العالمية الثانية، وعلى وقائع تلك المحارق بنيت “أسطورة الهولوكست”، وما أقيم عليها من مطالبات بتعويضات مادية ” للكيان الصهيوني”، الذي لم يكن موجودا حين ارتكاب تلك الجرائم، وقد كان حين طالب بتلك التعويضات يرتكب الجرائم نفسها وأكثر منها بحق الشعب الفلسطيني.
هل نستطيع ذلك؟
أعتقد أن ذلك واجب، واجب انساني، وواجب أخلاقي، وواجب ديني، وواجب وطني وقومي، وواجب من تأمين مستقبل الشعوب، فلا يقوم سياسيون كذابون قتلة من ارتكاب مثل تلك الجريمة أو ما يشبهها، وهو يأمنون الملاحقة والعقاب، وحتى لا تتعمل الشعوب التهاون مع سياسييها، فيما يقومون به من مواقف وقرارات واستخدام للقوة خارج أوطانهم، لأن من شأن ذلك أن يحملهم تكاليف وأعباء ستنعكس على حياتهم العامة،
إن رفع أسعار سلعة، أو نسبة غير مقبولة من التضخم، أو إلغاء قرارات دعم اجتماعي، من شأنه أن يحرك القوى الاجتماعية والسياسية في تلك البلدان، وأن يسقط حكومات، وأن يجبر حكومات على التراجع، يجب أن تستشعر هذه الشعوب أنها ستدفع من رفاهيتها وأمنها ومستقبلها ثمن السياسات العدوانية لقياداتها السياسية، وبالتالي تدرك أن عليها أن تتحرك لمنع ووقف تلك السياسات.
هل نستطيع أن نفعل ذلك، قد يبدو طرح هذا الأمر فيما نحن فيه من تفكك وفرقة وضياع نوع من تسويق الأوهام، أو التلهي بما لا يفيد، الانشغال عن الأولويات الراهنة.
لكن الطريق الطويل يبدأ بخطوة، وحينما لا تتوقف الخطا، فإن الوصول مؤكد، ولن تبقى قوى الطغيان هي المستبدة في العالم، مع يقيني بأننا نملك الكثير للتأثير بهذا الملف، وبملفات أخرى.