اعتبر مركز ستيمسون البحثي أن الأنباء الواردة عن تقارب سعودي سوري وشيك تعد بمثابة علامة جديدة على التحوط في الرهانات السعودية بعيد الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت ذاته انتصار للدبلوماسية الروسية.
وذكرت تقارير أن السعودية تخطط لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا بعد 11 عامًا من قطع الرياض العلاقات الدبلوماسية مع نظام بشار الأسد.
وأشار المركز في تحليل لجورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات الخليج إلي أن هذه الأنباء تأتي في أعقاب الإعلان عن اتفاق بوساطة صينية لتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران.
وذكر أنه يمكن النظر إلي هذا التقارب بين دمشق والرياض في سياق ما يسمي بـ”دبلوماسية الكوارث” لكن على الرغم من ذلك، فحتى قرب قبل ضرب الزلزال المدمر لتركيا وسوريا في مطلع فبراير/ شباط كان هناك اتجاه بين الدول العربية لإعادة سوريا إلى الحظيرة الدبلوماسية في المنطقة.
ولفت إلي أن الإمارات التي سلحت الجيش السوري الحر ودعت إلى الإطاحة بالأسد في المراحل الأولى من الأزمة السورية ، أعادت فتح سفارتها في دمشق أواخر عام 2018.
ومنذ ذلك الحين، تدفع أبو ظبي الجهود العربية لقبول الواقع فيما يتعلق ببقاء الأسد في السلطة. وكانت الجزائر والبحرين ومصر وسلطنة عُمان والأردن على نفس الخط مع الإمارات، لكن السعودية، حتى وقت قريب، رفضت التقارب مع دمشق.
أمر واقع وبراجماتية
ولفت إلي أن السعودية تدرك في الوقت الحالي أن الجهود الرامية للإطاحة بالأسد باءت بالفشل.
وأضاف أنه يبدو أن نقاط ضعف الدولة السورية والظروف الاقتصادية السيئة في البلاد تعطي السعودية سببًا للاعتقاد بأن لديها فرصة للاستفادة من مواردها وعلى الأقل جزئيًا في إغراء دمشق للابتعاد عن تحالفها طويل مع طهران.. ما إذا كان هذا الهدف واقعيا هو سؤال آخر؟.
وذكر أن محاولة التقارب مع نظام الأسد لا يعني أن السعوديين لديهم أي حب للرئيس السوري الذي سبق له وصف العاهل السعودي الراحل عبد الله وغيره من القادة الإقليميين بـ “أنصاف رجال” لعدم دعمهم حزب الله في حربه مع إسرائيل عام 2006، كما أنهم لم ينسوا القمع الوحشي لنظام الأسد ضد المعارضة داخل سوريا منذ ذلك الحين. 2011.
ولكن في الوقت ذاته، فإن تطبيع العلاقات مع دمشق يعكس البراغماتية السعودية والرغبة في حماية الاستقرار الإقليمي حيث تسعى الرياض إلى أجندة اقتصادية طموحة لفطم نفسها عن الاعتماد على صادرات الهيدروكربونات.
عند تقييم حسابات السعودية تجاه الأسد، فإن العامل الروسي مهم أيضًا. فمنذ أن وفرت موسكو قوات جوية لدعم الأسد في عام 2015 ، كان أحد أهداف الكرملين هو إقناع أعضاء مجلس التعاون الخليجي بالتعامل مع الواقع المستمر لنظام الأسد.
وعليه، فقد عُقدت مباحثات أخيرة لتطبيع العلاقات السعودية السورية في موسكو، ومن المتوقع أن تؤدي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد شهر رمضان.
ومن شأن مثل هذه الصفقة أن تكون بمثابة فوز كبير في السياسة الخارجية الروسية بعد أسابيع فقط من توسط الصين، بناءً على جهود سابقة من قبل العراق وسلطنة عمان، في اتفاق مماثل بين السعودية وإيران.
وقال كافيرو إن الزعيم الفعلي السعودية ولي عهده محمد بن سلمان لم يُخفِ رغبته في جعل المملكة العربية السعودية أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، مشيرا إلي أنه شأن تقوية الروابط بين الرياض مع خصوم واشنطن، وعلى رأسهم روسيا والصين أن يخدم هذا الغرض.
في 29 مارس/آذار، وافق مجلس الوزراء السعودي على قرار انضمام المملكة إلى منظمة شنغهاي للتعاون في خطوة يُنظر إليها على أنها خطوة جديدة باتجاه بكين.
وفي الوقت نفسه، فإن التقارب السعودي مع سوريا من شأنه أن يقرب الرياض من الكرملين. فبصفتهما زعيما تحالف أوبك+، تعمل السعودية وروسيا بالفعل معًا لإدارة إمدادات النفط العالمية.
وذكر أن مستقبل هذا التحالف يؤثر بشكل كبير على الصحة الاقتصادية المستمرة للمملكة.
فيما يؤكد التقارب السعودي السوري أيضًا على عدم جدوى الجهود الأمريكية لإقناع حلفاء وشركاء واشنطن العرب بعدم إعادة تأهيل نظام الأسد.
كان أحد أهداف الرئيس جو بايدن عندما زار السعودية العام الماضي هو إقناع المملكة بتجنب الاقتراب من روسيا والصين.
تؤكد المصالحة السعودية -السورية التي توسطت فيها روسيا في أعقاب المصالحة التي توسطت فيها الصين بين المملكة والجمهورية الإسلامية، إلى أي مدى الانشقاق الذي أحدثته موسكو وبكين بالفعل بين واشنطن والرياض.
ومع ذلك، يجب على القيادة السعودية أن تنظر في كيفية تأثير التقارب مع الأسد بشكل سلبي على شراكتها مع واشنطن.
وأضاف أن إعادة فتح بعثة دبلوماسية في دمشق وإعادة سفير سعودي إلى سوريا لن يشكل انتهاكًا لعقوبات قيصر المشددة التي فرضتها الولايات المتحدة على الدولة التي مزقتها الحرب، لكن دعم إعادة الإعمار في سوريا في غياب اتفاق سياسي مع المعارضة السورية سيكون كذلك.
وأوضح أن الرياض قد تستمر في التحرك بحذر بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية مع حكومة الأسد لتجنب مشاكل جديدة في واشنطن.
ومع ذلك، اعتمادًا على كيفية تطور علاقة السعودية بإيران وما إذا كان وقف إطلاق النار في اليمن ساريًا، قد تجد المملكة نفسها أقل حاجة إلى ضمانات أمنية أمريكية مما كانت عليه في الماضي، عندما كانت التوترات بين الرياض وطهران عالية جدًا.
جوانب إيجابية
هناك عامل آخر يجب مراعاته وهو أنه على الرغم من الخطاب القوي ، فقد يرى المسؤولون الأمريكيون أن التقارب بين شركاء أمريكا الإقليميين ودمشق ليس سلبيًا تمامًا.
بالنظر إلى أن بقاء الأسد هو أمر واقع، فقد تجد واشنطن أنه من المفيد أن تكون الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة على علاقة إيجابية مع دمشق.
يمكن أن تكون الرياض بمثابة جسور دبلوماسية بين واشنطن والأسد وتوفر مسارًا لاتصالات القناة الخلفية مع النظام السوري في وقت استمرار الاشتباكات بين الميليشيات المدعومة من إيران وسوريا ومجموعة صغيرة من القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا.
المصدر | جورجيو كافيرو/مركز ستيمسون- ترجمة وتحرير الخليج الجديد