حدثان بارزان حدثا منذ مطلع الأسبوع الفائت، الأول الاتفاق التاريخي بين السعودية وإيران برعاية الصين وبدعم روسي في الكواليس، والثاني إعلان ما يسمى “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل) دعم ترشيح صديق رئيس النظام السوري بشار الأسد، الوزير اللبناني السابق سليمان فرنجية لموقع رئاسة الجمهورية في لبنان.
وثمة من يعتبر أن هذه المصالحة بين أكبر مكونات الصراع الإقليمي بدت وكأنها افتتاح لمرحلة إقليمية جديدة وقد تنعكس على ملفات أخرى وتحديداً سوريا ولبنان، بالمقابل هناك من يعتقد أن هذا المسار ليس مساراً ثابتاً، وقد يكون قابلاً لأن يتعرض إلى هزات وانتكاسات ومحاولات تخريب متعددة الأطراف، لا سيما أن بعده الدولي أظهر قدرة الصين على الدخول في مساحات النفوذ الأميركي عبر سياسة خارجية منافسة لواشنطن.
والاتفاق السعودي الإيراني يتزامن مع تحديات عالمية متزايدة، أهمها الصراع الاقتصادي بين بكين وواشنطن والانشغال الروسي بالحرب الدائرة في أوكرانيا، كذلك مساعي غربية لإيجاد ثغرة لإعادة إحياء مفاوضات الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران.
بالمقابل يعول حلفاء النظام السوري في لبنان وانطلاقاً من هذا الاتفاق الإقليمي بين الرياض وطهران، أن يرتد ايجاباً على انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في لبنان، في ظل الانفتاح والتطبيع الحاصل بين دول عربية والنظام السوري، إضافة إلى أن الأسد يبدي اهتماماً مباشراً بالملف اللبناني وتفاصيله اليومية والتي يناقشها مع زواره اللبنانيين أو العرب.
فصل الملفات وترسيخ التهدئة
وحول مدى أن ينعكس الاتفاق السعودي-الإيراني على سوريا ولبنان، يشير مصدر دبلوماسي غربي أن أي حديث حصول تسويات تشمل سوريا ولبنان ليست صحيحة أو منطقية، لأن الطرفان اتفقا على مبدأ فصل الملفات والتعاطي معها وفقاً لحسابات الطرفين، وأن الاتفاق الإيراني-السعودي هو اتفاق يقارب أزمة اليمن حصراً عبر الدفع باتجاه الحل السياسي بين الأطراف المتقاتلة، بالإضافة لأمن الخليج ووقف الاعتداءات التي تنطلق من اليمن باتجاه السعودية والدول الخليجية، إضافة لتفعيل الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية المشتركة بين الجانبين.
ويشير المصدر أن لدى الرياض مؤخراً رؤية جديدة حول ملفات الشرق الأوسط، وهي تعزيز الاهتمام بمصالح المملكة ومعالجة هواجسها قبيل التفكير بأي ملف آخر، وهذا المسار وفقاً للمصدر يؤشر إلى أن الجانب السعودي استبق أي تصعيد محتمل بين ايران وإسرائيل والولايات المتحدة، أو حتى الاتفاق، للقول أن المملكة قادرة على حل أزماتها ومعالجة هواجسها دون الحاجة إلى التدخل الأميركي معالجة أي مشكلة.
بالإضافة لذلك فإن المصدر يؤكد أن الولايات المتحدة والتي كانت على علم بمسار الاتفاق، زار وفد يضم ممثلين عن مستشارية الأمن القومي والاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع، الرياض والتقوا ممثلين عن دول خليجية، بهدف التشاور حيال الاتصالات بين طهران والرياض عبر بكين.
بالإضافة لمناقشة الضربة الإسرائيلية المحتملة للمنشآت النووية، لكن السعوديين والخليجيين لم يبدوا أي حماسة تذكر تجاه هذا المسار، وأبلغوا الأميركيين أنّ خطوة كهذه قد تنعكس سلباً على المنطقة برمتها، وأن السعودية تعتقد أنّ الدّبلوماسيّة الصارمة هي الحل الأنسب في التعاطي مع إيران.
ويؤكد المصدر أن السعودية لا تؤيد في المدى المنظور الطرح الأميركي للقيام بعملية عسكرية مُحتملة في سوريا من أجل تطويق التنسيق العسكريّ الرّوسيّ – الإيرانيّ. يقول المصدر إنّ ممثلي الدول الخليجيّة أكدوا بصراحة إنّهم غير معنيين بأيّ خطوات تصعيديّة في المنطقة، وإنّ هدفهم إرساء الاستقرار.
وفي هذا الإطار سعى الوفد الأميركي لشرح أسباب زيارة رئيس الأركان الاميركي لشمال شرق سوريا، والتي تهدف للتحضير لعملية عسكرية لقطع الطريق البري الذي يربط إيران بالساحل اللبناني. وخاصة أن طهران استغلت الزلزال الذي حصل لتوسيع نفوذها أكثر في سوريا وترسيخه، وخصوصاً في مدينة حلب.
لبنان وسوريا.. أضغاث أحلام الأسد
وانطلاقاً من هذه المسارات فإن الجانب السعودي والذي أشاعت أوساط النظام السوري أنه سيزيد من اندفاعه باتجاه دمشق، عاد إلى سياسة الإبقاء على النافذة الأمنية بالعلاقة مع النظام دون الذهاب باتجاه تعميقها دبلوماسياً، وهذا ما قد ينعكس سلباً على الملف اللبناني وفكرة إجراء مقايضة سياسية تقضي بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل تكليف نواف سلام برئاسة الحكومة أي إعادة تسوية 2016 بين ميشال عون وسعد الحريري بوجوه أخرى.
وتشير المعلومات إلى أن “مسؤولين سوريين” التقوا فرنجية وأبدوا له عدم ارتياح النظام السوري لإعلان نبيه بري وحسن نصرالله دعم فرنجية بهذه الطريقة والتي ظهر بها على أنه مرشح طرف سياسي واحد دون التوافق مع باقي المكونات المحلية والإقليمية.
وبحسب المسؤولين في النظام فإن بشار الأسد الذي استقبل منذ أسبوعين وفد برلماني لبنانياً سمع من مستشار بري النائب علي حسن خليل أن الحوار القائم بين بري والسفير السعودي كان واضحاً لجهة رفض الرياض الإتيان برئيس طرف يكرس غلبة فريق “الأسد-حزب الله” على السلطة من جديد.
بالمقابل، يعتقد مصدر حكومي لبناني أن ما جرى في بكين من اتفاق بين الرياض وطهران برعاية صينية، سيدفع إيران وحزب الله إلى تقديم تنازلات في لبنان وسوريا. خصوصاً أن حزب الله وبعد الانهيار في عهد حليفه ميشال عون، لن يكون قادراً على تحمل تبعات المرحلة المقبلة وبالتالي لن يكون في مصلحته تحمّل مسؤولية رئاسة الجمهورية مع حليفه الذي قد يدفع بالدول العربية والمجتمع الدولي على الانسحاب أكثر من لبنان.
وانطلاقاً من كل تلك المعطيات يشير المصدر الحكومي اللبناني إلى أن جملة تطورات لبنانية وسورية لا يمكن التغافل عنها بأي شكل من الاشكال وتثبت مسألة واحدة أن مقاربة الدول للملفين اللبناني والسوري اختلفت نتيجة اهتمام القوى الدولية بملفات أكثر أهمية، وهذه المعطيات تبدأ من التالي:
أولاً: الموقف السعودي والقطري والأميركي متطابق لجهة عدم تكرار تجربة التسويات السياسية والمحاصصة في لبنان والقبول بصيغ إعطاء الأطراف وتحديداً حزب الله وحلفاءه مفاتيح الإمساك بالبلاد وتحويلها لمنصات هجوم على دول المنطقة وتحديداً العربية منها، إضافة إلى أن الأطراف الثلاثة متفقة على أن وصول فرنجية للرئاسة هي إعطاء ورقة مجانية لبشار الأسد ونظامه لإعادة تدخلهم في لبنان، وذلك رداً على طروحات فرنسية سعت للترويج لوصول صديق الأسد لقصر بعبدا، وهذا الأمر جرى التعبير عنه في اجتماع باريس الخماسي حول لبنان والذي أقيم في 6 شباط الماضي بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وقطر والسعودية ومصر.
ثانياً: وبالملف السوري حرصت كل الدول العربية التي زارت الأسد وتواصلت معه بالتأكيد على أن التواصل ذو هو ابعاد إنسانية، وكذلك فإن الوفد الأمني السعودي وضع أمام الأسد سلة شروط لتنفيذها مقابل عودة العلاقة معه بشكل مباشر وهذه الشروط تتضمن بنود متعلقة بوقف الاتفاقيات الاستراتيجية مع ايران والمتعلقة بالعقارات والميليشيات ووقف المخدرات وكذلك انتشار قوات ردع عربية لمراقبة الحدود وإعادة النازحين بضمانات أمنية وخلق مسار سياسي بالتعاون مع المعارضة وكل تلك الشروط لا يستطيع الأسد تمريرها دون التوافق مع ايران وحزب الله.
ثالثاً: هناك توجس كبير لدى دول المنطقة وتحديداً السعودية ذات التجربة المريرة مع النظام السوري في لبنان، خاصة بعد إظهار الأسد اهتماماً بالشأن اللبناني، وبالتحديد أن ما سمعه زوار دمشق مؤخراً، ينطوي على اهتمام الأسد بتفاصيل الوضع في لبنان، في إطار إظهار مدى متابعته للملف اللبناني في المجالات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، كذلك التأكيد على أهمية وصول فرنجية “العروبي والقومي” إلى بعبدا، وهذا الأمر وفق المصدر اللبناني يعبر عن جموح متجدد للأسد يريد إظهاره، تعبيراً عن تعافي النظام، وهو يدفع حلفائه في لبنان لتصديق عودة معادلة “السين-السين”. والأكيد أنه لا يزال من المبكر الذهاب إلى مثل هذه الاستنتاجات، خصوصاً أن الأسد، بداية، يحتاج إلى إعادة الاعتراف به، وبعدها سيكون منهمكاً في ظروفه الداخلية.
ترشيح فرنجية مناورة؟
وثمة من يعتبر أن ترشيح فرنجية من قبل حزب الله وحركة أمل مناورة سياسية، ظاهرها التصعيد السياسي والتشدد مقابل دفع الأطراف الخارجية (الخلية الخماسية) والداخلية الرافضة لخيار فرنجية بالذهاب لحوار برعاية بري للبحث عن اسم جديد للرئاسة بعد تعذر تأمين جلسة بنصاب كامل يحصل فيها فرنجية على 65 صوتاً.
وهنا يقول الحزب عبر هذا التبني أنه حرك الملف الرئاسي بعد جموده لأسابيع، من خلال دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، وفي الوقت نفسه يوازن في موقفه عبر تأكيد أمينه العام حسن نصرالله، على ضرورة حضور ثلثي أعضاء البرلمان لأي جلسة انتخابية. ما يشير إلى أن الحزب فتح الباب أمام أي توافق مستقبلي واسع وعدم خوض معركة المواجهة لإيصال مرشح طرف ترفضه أكبر الكتل المسيحية كما يترك هامشاً في حال حصل اتفاق بين الكتل النيابية الأخرى على مرشح آخر (جوزيف عون أو جهاد أزعور) لكن سيصر رغم أي توافق على خيار دعم حليفه.
كذلك لا يمكن فصل خوف الحزب من إعطاء ورقة قوة للنظام السوري للعب مجدداً في لبنان بعد أن أمسك الحزب بتلك الورقة عقب انسحاب “الجيش السوري” في 2005 وانشغال النظام في الثورة عقب 2011، وهذا السياق تجلى من خلال ترك حلفاء الأسد لمصيرهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وسقوطهم سقوط مدوي أمام المعارضة والثورة.
في النهاية لا يمكن الجزم أن الاتفاق الكبير بين طهران والرياض يشمل كل الملفات ربطاً بكل المواقف والبيان المشترك وما يجري الحديث عنه حيال حصره باليمن وأمن الخليج، وعليه فإن الحديث أن ما جرى سيشكل انفراجة لإنتخاب فرنجية أو إعادة تعويم بشار الأسد، كلام غير واقعي وينطوي على أحلام فريق النظام السوري وحلفاءه.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا