قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أول من أمس الثلاثاء، إن زيادة التواصل مع سورية قد تمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت عشر سنوات. غير أن المسؤول السعودي قال إنه “من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة”.
ووفق “رويترز”، جدد الوزير السعودي التأكيد أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سورية لا يجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري، خصوصاً لمعالجة الوضع الإنساني هناك. وقال للصحافيين في لندن إن “الحوار من أجل معالجة هذه المخاوف ضروري. وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى عودة سورية إلى جامعة الدول العربية وما إلى ذلك. لكن في الوقت الحالي أعتقد أن من السابق لأوانه مناقشة هذا الأمر”.
وأبقى الوزير السعودي الباب موارباً أمام دعوة النظام إلى اجتماع القمة العربية التي تستضيفها الرياض خلال العام الحالي، إذ قال: “أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن ذلك”. وأضاف “لكن يمكنني القول… إن هناك توافقاً في الآراء في العالم العربي، وإن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر. وهذا يعني أنه يتعين علينا إيجاد سبيل لتجاوزه”.
انفتاح عربي بعد الزلزال
وجاءت تصريحات بن فرحان بعد انفتاح عربي على نظام بشار الأسد المعزول منذ أواخر عام 2011، على خلفية الزلزال الذي ضرب الشمال والغرب السوري فجر السادس من فبراير/ شباط الماضي.
واستقبلت دمشق خلال الشهر الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من عقد وزيري خارجية الأردن أيمن الصفدي ومصر سامح شكري، فضلاً عن زيارة ثالثة لوزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان. كما أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً مع الأسد لـ”التأكيد على التضامن مع سورية” بسبب الزلزال في خطوة عُدت مقدمة لتطبيع العلاقات بين دمشق والقاهرة.
بالتوازي مع ذلك، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس الأربعاء، أن نواب وزراء خارجية كل من روسيا، تركيا، إيران، والنظام السوري سيجتمعون في موسكو الأسبوع المقبل. ولفت جاووش أوغلو في مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إلى أن الأخير عبّر عن رغبته بالانضمام للمحادثات الثلاثية بين تركيا وروسيا والنظام السوري، وقد وافقت أنقرة “بكلّ سرور”.
وشدد الوزير التركي على أن مسار أستانة هو الصيغة الوحيدة الباقية للتعامل مع سورية على أي حال، لافتاً إلى “أننا نخطّط الآن لعقد اجتماع بين وزراء الخارجية الأربعة”.
وأوضح أن روسيا عرضت استضافة اجتماع تمهيدي للتحضير للاجتماع الرباعي، والذي سيُعقد على مستوى نواب وزراء الخارجية الأسبوع المقبل، في موسكو. من جهته، أكد عبد اللهيان أن إيران “تدعم عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق لوضعها الطبيعي”، مؤكداً أن أمن إيران من أمن تركيا.
عقبات أمام أي انفتاح سعودي
وتطرح تصريحات الوزير السعودي تساؤلات عما إذا كانت بلاده بصدد انتهاج سياسة مختلفة مع النظام السوري خلال العام الحالي للبحث عن حلول سياسية بعد 12 عاماً من أزمة خلقها النظام بسبب قمعه الثورة التي بدأت في ربيع عام 2011.
وأغلقت السعودية سفارتها في سورية في مارس/ آذار 2012 بسبب تمادي النظام في قمع المتظاهرين، ورفضه مبادرة عربية لتطويق الأزمة حينذاك. ولكن الرياض أبقت على قنوات اتصال استخبارية مع النظام السوري، إذ تحدثت وسائل إعلام تابعة له عن زيارة قام بها في مايو/ أيار 2021 رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان.
ووفق تسريبات من النظام، زار رئيس مكتب الأمن القومي المشرف على الأجهزة الأمنية التابعة للنظام علي مملوك، الرياض في عام 2020.
ولم تتوضح بعد طبيعة الحوار الذي يدعو إليه وزير الخارجية السعودي مع النظام السوري، في ظل تسريبات غير مؤكدة أن دولاً عربية منها السعودية ومصر تعد مبادرة للحل في سورية تقوم على أساس القرار الدولي 2254 والذي ينص صراحة على انتقال سياسي في البلاد وهو ما يرفضه النظام.
من المرجح أن ترفض طهران أي حوار بين دمشق والدول العربية يفضي إلى تقليص الوجود الإيراني في سورية
لكن التوجّه السعودي حيال نظام الأسد سيصطدم بعقبتين، الأولى إيرانية، إذ من المرجح أن ترفض طهران أي حوار بين دمشق والدول العربية يفضي إلى تقليص وربما إنهاء الوجود الإيراني العسكري والثقافي والاقتصادي في سورية بعد نحو 12 عاماً كانت خلالها الحليف الأبرز للنظام ولعبت أدواراً عسكرية للحيلولة دون سقوطه قبل التدخل الروسي عام 2015.
والعقبة الثانية أميركية، فواشنطن ما تزال ترفض أي تقارب مع النظام السوري إذا لم يجلس إلى طاولة تفاوض جاد لتطبيق قرارات دولية صدرت عن مجلس الأمن الدولي منذ عام 2012، أبرزها اتفاق جنيف 1 والقرار 2254.
ويعتقد مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تصريحات الوزير السعودي “لا تحمل جديداً”، مضيفاً: إنها استمرار للمقاربة السياسية السعودية السابقة، وتأكيد على ما سبق.
وأشار إلى أن “هناك ملامح لمبادرة عربية بموافقة سعودية لنظام الأسد”، مضيفاً: “حتى اللحظة لا تتوافر معلومات عن هذه المبادرة والبنود التي تتضمنها، لكن غالباً تتضمن انخراط نظام الأسد في الحل السياسي مع المعارضة السورية وتطبيق القرار 2254 وإعطاء نوع من الاستقلالية الإدارية للجنوب السوري، والحد من تهريب المخدرات عبر الأردن للخليج العربي، وربما هناك شروط أخرى تبقى قابلة للتفاوض بانتظار اختبار التنفيذ، وهو ما لم ينجح في أكثر من تجربة سابقة”.
من جهته، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الحوار بين الرياض والنظام السوري “بدأ قبل كارثة الزلزال الذي كما يبدو أعطى هذا الحوار دفعة إلى الأمام”، مضيفاً: “مدير المخابرات العامة لدى النظام حسام لوقا زار السعودية أكثر من مرة خلال العام الماضي”.
ولفت القربي إلى أن حوار الرياض مع النظام السوري “يتمحور حول الحضور الإيراني في سورية والحد منه”، مضيفاً: “ربما يقوم النظام بدور وساطة بين الرياض وطهران حول بعض الملفات العالقة بين الجانبين خصوصاً الملف اليمني”.
وأشار إلى أن “عودة النظام السوري إلى الحضن العربي مرتبطة إلى حد بعيد بالحد من النفوذ الإيراني في سورية”، مضيفاً: “الهدف السعودي مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة العربية، ومن ثم فإن القضايا الإنسانية والانتقال السياسي في سورية، ليست أولوية لدى الرياض على الأقل في الوقت الحالي”.
المصدر: العربي الجديد