اجتماع أمني رفيع المستوى بين نظام الأسد وإيران في طهران.. ماذا تضمن؟

ضياء قدور

بعد يومين من القصف الإسرائيلي على حي كفرسوسة وسط دمشق، حطت طائرة تابعة للنظام السوري تقل وفداً أمنياً رفيع المستوى في طهران، برئاسة اللواء الطيار صلاح الدين كاسر الغانم، قائد القوى الجوية والدفاع الجوي في جيش النظام السوري، برفقة ضباط القوى الجوية والدفاع الجوي.

وبحسب ما نشرته وكالة أنباء” تسنيم” الفارسية شبه الرسمية، فإن اللواء كاسر الغانم التقى العميد محمد رضا قرايي آشتياني وزير الدفاع والقوات المسلحة الإيرانية، يوم الثلاثاء 21 فبراير/شباط الجاري.

وتحت عنوان (سوريا العمق الاستراتيجي لإيران، وإيران العمق الاستراتيجي لإيران)، نقلت وكالة أنباء تسنيم عن وزير الدفاع الإيراني آشتياني حرصه على “تعزيز القاعدة الدفاعية السورية للحفاظ على الردع وتحسينه ضد التهديدات”.

واعتبر وزير الدفاع الإيراني في الاجتماع أن الرؤية الإيرانية للتعاون الدفاعي مع النظام السوري “طويلة الأمد في المجالين الاستراتيجي والتكتيكي”.

وفي إشارة إلى الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الداخل السوري، رأى آشتياني أن الاستمرارية والتشاور بين الطرفين “ضرورة استراتيجية”.

من حضر الاجتماع من الجانب السوري؟

في الوقت الذي حذفت وزارة الدفاع الإيرانية من موقعها الرسمي تفاصيل صور الاجتماع للوفد السوري المرافق لقائد القوى الجوية والدفاع الجوي السوري، مكتفية بصورة جانبية وحيدة لطاولة الاجتماع البيضوية، من المرجح أن الاجتماع العسكري رفيع المستوى كان يحمل درجة من السرية التي لا تحتمل نشر صور وجوه الضباط السوريين المشاركين والاكتفاء بنشر صور جانبية للاجتماع.

لكن في عتمة الصور الجانبية لوجوه الضباط السوريين الموجودين ضمن الوفد العسكري، كان من الممكن ملاحظة بشكل جلي وجود اللواء علي سمرة، الذي عُين حديثاً مديراً للدفاع الجوي السوري، ونائباً لكاسر الغانم بالضرورة التنظيمية، إلى يسار الغانم على طاولة الاجتماع.

رغم ذلك، يحمل الإعلان عن هذا الاجتماع من الجانب الإيراني عدة معان ويوجه رسائل في عدة اتجاهات.

فمن ناحية، يأتي هذا الاجتماع الذي ضم مستويات عسكرية تخصصية سورية من المستويات الأدنى من وزير الدفاع السوري استكمالاً تنفيذياً ربما للتفاهمات العسكرية والأمنية السورية الإيرانية واتفاقيات الدفاع المشترك والتعاون العسكري، والتي حملت خلال السنوات الماضية عنوانا شبه موحد: تعزيز القدرات الدفاعية السورية.

بشكل عام، تكشف زيارة هذا الوفد العسكري السوري من المستويات الأدنى من وزير الدفاع عن وجود نية سورية إيرانية مشتركة للبدء في دخول المراحل التنفيذية للخطوط العريضة التي صاغها كل من وزير الدفاع السوري علي محمود عباس ومن قبله علي أيوب مع اللواء محمد باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، على شكل اتفاقيات وتفاهمات سابقة، لنقل الخبرات الإيرانية الناشئة في مجال الدفاعات الجوية وبرنامج الصواريخ الدقيقة والمسيرات التي تشكلت لدى الجيش الإيراني خلال الأعوام الماضية.

لكن زيارة اللواء الطيار كاسر الغانم، القائد العام للقوى الجوية في جيش النظام، والذي يشرف بشكل تنظيمي وقتالي نوعاً ما على إدارة الدفاع الجوي السوري، مع نائبه اللواء علي سمرة، مدير الدفاع الجوي، قد تحمل معاني أكبر من الاستعانة بالخبرات الإيرانية في تعزيز شبكات الدفاع الجوي السوري، التي ما تزال تعاني من قصور وثغرات مميتة في مواجهة الغارات الإسرائيلية منذ عام 2013، إلى الرغبة في الانخراط الإيراني داخل الهياكل العسكرية الرسمية للنظام السوري، ومحاولة البدء بمشروع طموح لتصنيع وتطوير الصواريخ الدقيقة والمسيرات الإيرانية القتالية والانتحارية والاستطلاعية ضمن الجيش السوري على مستويات أوسع وأضخم.

الانتقال من الاستعانة بالخبرات الإيرانية “الثمينة” إلى الكفاءات المحلية السورية والوكلاء المحليين “الرخيصين”

فقدت إيران العديد من الكفاءات العلمية والخبراء الفنيين “الثمينين” المهتمين بمشاريع الدفاع الجوي وبرامج الصواريخ والمسيرات في سوريا خلال الأعوام الماضية.

بشكل عام، يمكن تقدير أن خسائر الكفاءات والخبرات البشرية التي تكبدتها إيران في سوريا خلال السنوات الماضية وصلت للعشرات على أقل تقدير، بحسب ما رشح في وسائل الإعلام حتى الآن.

  • في أكبر حصيلة لهذه الخسائر يمكن الإشارة لمقتل سبعة خبراء إيرانيين بينهم ضابطان برتبة عقيد في الهجوم الذي استهدف مطار التيفور العسكري في ريف حمص في نيسان/أبريل 2018.
  • وفي آذار/مارس 2022، قتل ضابطا الحرس الثوري إحسان كربلايي بور ولطفي نياسري بغارة إسرائيلية حول دمشق.
  • في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، قتل العقيد داود جعفري، أحد مستشاري قوات الجوفضاء التابعة للحرس الثوري في سوريا.
  • وفي آخر إحصائية، أفادت وكالة رويترز بأن الهجوم الصاروخي على منطقة كفرسوسة في دمشق يوم الأحد الماضي استهدف اجتماعا لخبراء إيرانيين وسوريين مهتمين بتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ.

صحيح أن عدد الخبراء الإيرانيين الذين قتلوا بالغارات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية محدود نسبياً، لكن تصفية هؤلاء المختصين جسدياً يحمل أبعادا سلبية ضخمة على المدى البعيد على المشاريع العسكرية والأمنية الإيرانية الناشئة، وهذا ما قد يدفع إيران هذه المرة بشكل ممنهج نحو تدريب كفاءات من المؤسسة العسكرية الرسمية للنظام السوري.

في المحصلة، سيكون خسارة هذه الكفاءات المحلية والوكيلة أرخص من كل النواحي الاستراتيجية والمادية والسياسية على إيران.

وفي هذا الصدد، لا يخفي اللواء كاسر الغانم قائد القوات الجوية والدفاع الجوي في الجيش السوري، إعجابه بالقدرات الدفاعية الإيرانية بمجال الدفاع الجوي في تصريحاته الرسمية في الاجتماع الأخير، ويرى أن “إيران تتقدم بسرعة في هذا المجال”، معتبراً أن “هذه النجاحات هي لنا وللعالم الإسلامي وللمسلمين”.

من ناحية أخرى، قد يكون إعجاب اللواء كاسر الغانم المبالغ فيه بالقدرات الدفاعية الإيرانية له أسبابه الاقتصادية والسياسية التي تدعمه. فالروس لا يستجيبون أبداً للطلبات المتكررة بتشغيل منظوماتهم الحديثة في أثناء الغارات الإسرائيلية، في حين تكبدت قوات النظام السوري خسائر فادحة في معدات الدفاع الجوي خلال العقد الماضي نتيجة الغارات الإسرائيلية، وهي غير قادة على تعويض هذه المعدات بسبب الأزمة الاقتصادية.

من هذا المنظور، قد يكون لجوء جيش النظام السوري إلى المعدات الإيرانية الرخيصة (المهداة أو المقسطة) لترميم الدفاعات الجوية أحد الخيارات المتاحة والضرورية، بغض النظر عن مدى فعاليتها وقدرتها على تغيير الواقع العسكري.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى