من أصفهان إلى البوكمال إيران تلقت ضربات متتالية… ما انعكاساتها؟

وليد شقير

 واشنطن “ضعفت حجتها” لإثناء نتنياهو عن العمل العسكري بعد مواصلة إيران تخصيب اليورانيوم. لم تكد أخبار الهجوم الذي تعرضت له منشأة إيرانية للتصنيع العسكري في مدينة أصفهان، كما أفادت الأنباء، منتصف ليل السبت/ الأحد 28-29 يناير (كانون الثاني) بطائرات مسيرة تنتشر، حتى استنفرت أعين المراقبين على انعكاسات هذا التطور العسكري الجديد على الأوضاع الساخنة في عديد من دولها.

لم يتوقف الأمر على عملية أصفهان. فبعد ساعات قليلة جاءت الأنباء عن قصف جوي رجحت وسائل إعلام محلية في شرق سوريا أن يكون إسرائيلياً، لقافلة شاحنات تردد أنها من 25 شاحنة، على الحدود السورية – العراقية، صباح الأحد 29 يناير، بالقرب من معبر القائم الحدودي بين البلدين في ريف مدينة البوكمال، شرق محافظة دير الزور. وبلغ استهداف منطقة العبور في ريف البوكمال، الذي يحصل بين الفينة والأخرى، حد ملاحقة طائرة، في اليوم التالي، الإثنين 30 يناير، لسيارة ضابط إيراني جاء لتفقد منطقة القصف الذي حصل في اليوم السابق، وأفادت وكالة “نهر ميديا” بأنه قتل مع اثنين من مرافقيه في بلدة الهري. وأعقب ذلك أيضاً ضربة جوية لشاحنة دمرت، بعد عبورها من العراق، أفادت الوكالة نفسها بأنها محملة بالأسلحة، وأن أصوات انفجارات عدة سمعت بعد القصف. وأفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بأن عدد القتلى ارتفع إلى 10 جراء الغارتين، لكنه أشار إلى أن طائرات مسيرة تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده أميركا هي التي قصفت 6 شاحنات مبردة. إلا أن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قالت إن القصف إسرائيلي.

هل استهدف مصنع للمسيرات في أصفهان؟

في وقت اكتفت فيه السلطات الإيرانية ببيان مقتضب حول ضربة أصفهان، فنسبت وزارة الدفاع ما حصل إلى “هجوم بطائرات مسيرة من مهاجمين غير معروفين”، وأن الأضرار طفيفة، ولا خسائر بشرية، التزمت إسرائيل الصمت، لكن ما صدر في  “وول ستريت جورنال” من معلومات، وفي “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، وجه الأصابع نحو إسرائيل، بأن جهاز “الموساد” نفذ العملية من أجل “احتواء طموحات طهران النووية والعسكرية”، نظراً إلى السوابق الإسرائيلية في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة.

عملية أصفهان نوعية بامتياز، ابتهج بها الإعلام الإسرائيلي، مشيراً إلى أضرار جسيمة بالمبنى المستهدف، لا سيما بعدما أوحت التسريبات بأنها استهدفت أسلحة متطورة، بالتزامن مع استعراض مرشد الثورة في إيران علي خامنئي للطائرات المسيرة في مقر إقامته، مما ترك مجالاً للتكهنات بأن الهجوم في أصفهان ربما يكون استهدف مصنعاً للطائرات المسيرة، وسط الحملة الغربية الأميركية والأوكرانية على طهران بأنها زودت روسيا هذه الطائرات، والتي يستخدمها الجانب الروسي في قصف البنى التحتية الأوكرانية، ومع تصاعد الصراع الغربي – الإيراني بسبب ذلك. وما عزز التكهنات في هذا الصدد تغريدة لمستشار الرئيس الأوكراني علق فيها على القصف، مشيراً إلى أنه سبق لأوكرانيا أن حذرت من استهدافات كهذه، خصوصاً أن كييف تعرض كل أسبوع إثباتات عن استخدام الجيش الروسي المسيرات الإيرانية في الحرب. وهو أمر تسبب في غضب أوروبي وأميركي شديد ضد طهران يضاف إلى الخلاف على المفاوضات حول النووي، والاتهامات الغربية لطهران بزعزعة الاستقرار عبر تدخلاتها في المنطقة، لكن انحياز إيران إلى روسيا بات يتقدم على سائر الملفات الخلافية معها، بالتالي ينعكس تشدداً غربياً على الموقف من هذه الملفات.

المخاوف من رد الفعل في الإقليم

في انتظار اتضاح طبيعة المنشأة التي تعرضت للقصف، والتي تضم عدة مبانٍ، توقف المراقبون أمام انتقال المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، إلى مستوى جديد وتأثير ذلك في دول عدة بالمنطقة، للوجود الإيراني فيها ثقل كبير، أي في العراق وسوريا ولبنان، بالتزامن مع توالي العقوبات الأميركية على “الحرس الثوري” الإيراني والتحضيرات لوضعه على لائحة الإرهاب من قبل الاتحاد الأوروبي، بعد أن توعد المستشار الإعلامي للوفد الإيراني إلى مفاوضات فيينا محمد مرندي إسرائيل بالرد على الهجوم ملوحاً بأن الطائرات المسيرة انطلقت من كردستان العراق، وسأل بعض المراقبين عما إذا كان ذلك تمهيد لقصف إيراني لمناطق في الإقليم الكردي، كما حصل بين شهري سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين، بحجة استهداف أحزاب كردية إيرانية توجد في الإقليم وتسهم في الاحتجاجات الشعبية في الداخل الإيراني. وسبق لطهران أن اتهمت سلطات الإقليم بإيواء مراكز للاستخبارات الإسرائيلية، لكن المسؤولين في أربيل نفوا ذلك. والمخاوف من رد فعل إيراني استناداً إلى هذه الفرضية دفعت الحكومة العراقية إلى استباق الأمر وإعلان رفضها استخدام أراضيها ضد أي من دول الجوار.

في سوريا ولبنان ملاحقة عسكرية

أما في سوريا فإن الاستهداف الإسرائيلي المتواصل للتشكيلات العسكرية الموالية لإيران و”حزب الله” يهدف إلى عدم ترك مجال لتمتين قواعدها في بلاد الشام، لاستخدامها في أي مواجهة معها، حيث تلاحق الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية نقاط تمركزها والحرس الثوري، وتقصف خطوط الإمداد بالأسلحة الإيرانية المتطورة لصالح “حزب الله”، وتزيد من الضغوط الاقتصادية على دمشق التي تجبر القيادة الإيرانية على تحمل جزء من عبئها. وفي المعطيات التي ينشرها الإعلام الإسرائيلي عن محاولات الجانب الإيراني تركيز قواعد ومخازن صواريخ أو إنشاء مجموعات لاستهداف إسرائيل انطلاقاً من محافظة القنيطرة الجنوبية والحدودية مع الجولان السوري المحتل، أن تل أبيب تمكنت من إضعاف هذا الاحتمال بتتبعها هذه المحاولات وإجهاضها بالقصف الجوي أو المدفعي.

في لبنان تشكل قدرات “حزب الله” العسكرية المتنامية بفعل التسليح الإيراني الذي لم يتوقف مصدر قلق دائم للجانب الإسرائيلي، لكنه بات يخضع لحسابات سياسية دقيقة أكثر من السابق، من الجانب الإيراني و”الحزب”، إذا أراد استخدام الجبهة اللبنانية والسورية ضد إسرائيل. فلبنان يمر بأزمة سياسية اقتصادية غير مسبوقة وبانهيار مالي هو الأول في تاريخه، بحيث لا تسمح أي مغامرة عسكرية قد يقوم بها الجانب الإيراني عبر “الحزب” بمضاعفة التدهور في الأحوال المعيشية التي تطاول جمهور الأخير مثل سائر اللبنانيين جراء الأضرار الكبيرة للمواجهة على الجبهة اللبنانية مهما كانت مجرياتها. كما أن “حزب الله” كان وراء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى حد أدنى من الاستقرار الذي يتيح عودة بعض الاستثمارات لتحسين الاقتصاد وإنعاشه، بينما إدخال لبنان في أي حرب يقضي على المراهنات في هذا الصدد. هذا فضلاً عن أن “الحزب” يعمل على استيعاب الحملة الداخلية عليه من خصومه المحليين جراء تبعيته لطهران.

مناورات إسرائيلية – أميركية وتشديد في العقوبات

يلفت هؤلاء إلى أن ضربة أصفهان جاءت بعد خطوات لها تأثير كبير في السياق الجيوسياسي في الإقليم. الأولى قيام وفد من وزارة الخزانة الأميركية بجولة في دول المنطقة “لتحذير دول من التعامل مع كيانات خاضعة للعقوبات”، والمقصود بها سوريا وروسيا وإيران، وبعض المصارف والبيوت المالية، بهدف تشديد الخناق المالي على حلفاء طهران في المنطقة، ولا سيما سوريا، حيث تدعو واشنطن حلفاءها وأصدقاءها إلى عدم الاتفاق مع النظام السوري، لأن ذلك يريح طهران من المتوجبات المالية تجاه دمشق، ويسهل تبييض الأموال التي تتلقاها عبر لبنان وسوريا والعراق. وفي وقت فرضت فيه الخزانة الأميركية قبل أسبوع عقوبات على شركة مالية تتولى تأمين الدولارات لـ”حزب الله” (وبالتالي إيران) وسوريا، فإنها مارست ضغوطاً على بغداد لوقف العلاقات المالية مع إيران وسوريا وتقليصها مع لبنان.

أما الخطوة الثانية فكانت إجراء مناورات عسكرية مشتركة أميركية – إسرائيلية في صحراء النقب وفي البحر استمرت من 23 إلى 27 يناير “تحاكي الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية”، بحسب بيان إسرائيلي. ووصفت هذه المناورات بأنها الأضخم في سياق التعاون العسكري الأميركي.

حجة واشنطن

وفي رأي مطلعين على الموقف الغربي والأميركي تجاه إيران أن العملية جاءت في سياق متصاعد من الضغوط متعددة الأوجه على طهران بسبب انغماسها في دعم وتأييد روسيا في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا، الأمر الذي أضاف سبباً جوهرياً إلى الخلاف حول الملفات الأخرى. ويشير هؤلاء إلى أن من يتواصل مع الحكومات الأوروبية، سواء على مستوى حكومي أو دبلوماسي، يكتشف مدى الغضب على القيادة الإيرانية جراء انحيازها إلى موسكو. ويعتبر هؤلاء، ومنهم وزراء، أو دبلوماسيون أو عاملون في المنظمات غير الحكومية، أن دول الغرب باتت تتعاطى مع طهران على أنها شريكة في الحرب الروسية عليها. وبعض هذه الدول كان يلعب دور الوسيط بين الإدارة الأميركية والقيادة الإيرانية، سواء في المفاوضات على إحياء الاتفاق على النووي، أو في شأن الأزمات الإقليمية.

وينقل أحد وزراء الخارجية العرب زار واشنطن في الأسابيع الماضية لـ”اندبندنت عربية” عن مسؤولين أميركيين قولهم إنه “لا عودة إلى التفاوض حول ملف إيران النووي في القريب المنظور، ولا صحة للإشاعات عن اتصالات غير مباشرة تجري بين واشنطن وطهران عبر عُمان، أو غيرها”، وإنه ربما هناك اتصالات أوروبية – إيرانية، لكن الأمر ليس وارداً في هذه الظروف من قبل إدارة الرئيس جو بايدن.

ويشير الوزير نفسه إلى أن مواصلة طهران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 في المئة، من الطبيعي أن يقلق دول الغرب وإسرائيل من اقترابها من عتبة القدرة على إنتاج سلاح نووي، “وهذا يجعل حجة واشنطن ضعيفة أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا أراد القيام بعمل عسكري في إيران”.

 

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى