“حظر الأسلحة الكيميائية” تدين الأسد للمرة الثالثة: التجريم تنقصه المحاسبة

أمين العاصي

للمرة الثالثة، تدين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري، وتحمله مسؤولية هجمات بأسلحة محرمة دولياً، أدت إلى مقتل وتهجير مدنيين في عدة مناطق سورية، في إشهار جديد على ارتكاب النظام جرائم حرب تفترض المحاسبة، والتي تبدو بعيدة المنال في الوقت الراهن في ظل موقف روسي داعم للنظام.

وأفادت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الجمعة الماضي، بأن تحقيقاً استمر قرابة عامين خلص إلى أن طوافة عسكرية واحدة على الأقل، تابعة لوحدة القوات السورية الخاصة المعروفة باسم “النمر”، أسقطت أسطوانات غاز الكلور على مبانٍ سكنية في مدينة دوما السورية، التي كانت خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة في 2018، وأودت يومها بحياة ما لا يقلّ عن 70 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، بحسب تقارير إعلامية وحقوقية.

وجاء في تقرير نقلته وكالة “رويترز” عن المنظمة أنه “عُثر على مواد كيميائية عضوية مختلفة، تحتوي على الكلور في عينات أُخذت من موقعين، لكن لم يُعثَر على أدلة على استخدام غازات أعصاب”.

من جهته، قال المدير العام للمنظمة فرناندو أرياس إن “استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما، أو في أي مكان، أمر غير مقبول وبمثابة خرق للقانون الدولي”. وأشار إلى أن “العالم بات الآن يعرف الحقيقة، وأن الأمر متروك الآن للمجتمع الدولي”.

وأعلنت وزارة خارجية النظام السوري، في بيان أمس السبت، أن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي حمّل النظام مسؤولية هجوم بسلاح كيميائي على مدينة دوما لم يتضمن أي أدلة. وقالت: إن “سورية ترفض جملة وتفصيلاً التقرير حول الحادثة المزعومة لاستخدام مادة الكلور في دوما، إضافة لما جاء في استنتاجاته”.

ليست الإدانة الأولى للنظام

وهذه ليست المرة الأولى التي تجرّم فيها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام، وتحمّله مسؤولية شن هجمات بغازات سامة. وكانت قد أكدت في إبريل/ نيسان 2020، بعد تحقيق استمر عامين، أن سلاح الجو السوري استخدم طائرات عسكرية من طراز “سوخوي-22” وطوافة، لإسقاط قنابل تحتوي على الكلور السام وغاز السارين على قرية في منطقة حماة في مارس/آذار 2017، نجمت عنها إصابة عشرات المدنيين بحالات اختناق.

ووضع التقرير الجديد، الذي أصدرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بحسب بيان للائتلاف الوطني السوري المعارض أول من أمس الجمعة، “المجتمع الدولي أمام مسؤولية إزالة خطر هذا النظام عن الشعب السوري الذي تعرض لشتى أنواع القتل والانتهاكات على يد نظام الأسد وحلفائه”.

وطالب الائتلاف بـ”تطبيق قرار مجلس الأمن 2118 (2013)، وفرض تدابير ضد النظام، بموجب البند السابع بحسب المادة 21 من القرار المذكور”.

وكان القرار صدر أواخر 2013 عقب ارتكاب النظام مجزرة بحق المدنيين في غوطة دمشق الشرقية في أغسطس/ آب من ذلك العام بهجمات بأسلحة كيميائية. ونص البند 21 على أنه “في حالة عدم الامتثال لهذا القرار، بما يشمل نقل الأسلحة الكيميائية دون إذن، أو استخدام أي أحد للأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، أن يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”.

كما قصف النظام في إبريل/ نيسان 2017 مدينة خان شيخون في ريف إدلب بغاز السارين، ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 مدنياً، وهو ما استدعى رداً صاروخياً محدوداً من أميركا، نفذته مدمرتان للبحرية الأميركية في شرق البحر المتوسط، فجر 7 إبريل 2017، استهدف مطار الشعيرات العسكري.

غير أن هذا الرد لم يشكل رادعاً للنظام عن تكرار فعلته. وفي إبريل 2018 استخدم النظام الغازات السامة لإجبار فصائل المعارضة السورية على تسليم مدينة دوما شرقي دمشق، والخروج إلى الشمال السوري، بعد حملة واسعة النطاق بدعم مباشر من القوات الروسية.

النظام استخدم أسلحة محرمة 262 مرة

وبيّن نضال شيخاني، وهو مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية، في حديث مع “العربي الجديد”، أن النظام استخدم الأسلحة المحرمة دولياً 262 مرة على مدى سنوات الثورة السورية، مشيراً إلى أن الهجمات أدت إلى مقتل نحو 3 آلاف مدني، وإصابة 14 ألف آخرين. وأكد أن المركز “عمل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في ملفات 70 هجوماً شنها النظام على العديد من المناطق السورية”.

ولفت إلى أن المنظمة “جرّمت النظام في ثلاثة تقارير، الأول عن هجمات في ريف حماة، والثاني عن استخدام نظام الأسد غاز الكلور السام خلال هجومه على سراقب في ريف إدلب الشرقي في 2018، والثالث الذي صدر الجمعة عن دوما”.

وأشار شيخاني إلى أن النظام “يستخدم السلاح المحرم دولياً لتهجير أكبر عدد ممكن من السكان”، مشيراً إلى أن وحدة “النمر” مسؤولة عن هجومي سراقب ودوما. وفي حين لفت إلى أنّ “توقيت خروج التقرير يتزامن مع إعلان بعض الدول عن حالة التطبيع مع النظام السوري”، اعتبر أن “التقرير أتى ليؤكد أنّ نظام الأسد مجرم حرب تجب معاقبته”.

وحدة “النمر” مسؤولة

ولطالما حاول النظام التنصل من مسؤولية الهجوم الذي شنه على دوما زاعماً أنه كان مدبراً، غير أن التحقيق الذي أجرته المنظمة على مدى عامين أثبت مسؤولية الوحدة التي يقودها العميد سهيل الحسن، والملقب بـ”النمر”، عن مقتل وإصابة المئات من المدنيين في دوما. ويُنظر إلى “النمر” على أنه “رجل روسيا” في سورية، ويقود “الفيلق الخامس” التابع لقاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري.

وتعليقاً على التقرير، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، لـ”العربي الجديد”، إن التقرير الجديد الصادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية “شكل من أشكال محاسبة النظام السوري على الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين”.

وأشار إلى أن “المحاسبة أنماط متعددة”، غير أنه رأى أن محاسبة النظام قانونياً “بعيدة المنال في الوقت الحالي”، مضيفاً: “أما المحاسبة السياسية، فإنها تقتضي رحيل هذا النظام واستبداله بآخر يحترم حقوق المواطن السوري. هذا أمر يجب أن يتم، وهو أهم من المحاسبة القضائية”.

وأعرب عبد الغني عن أمله أن يُسهم التقرير في محاسبة النظام على جرائمه، ومضيفاً كذلك: “هذا ما نطمح إليه، وخاصة أنه يثبت بأدلة لا تقبل أي شك أن هذا النظام استخدم أسلحة كيميائية في عام 2018، أي بعد خمس سنوات من مصادقته على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية”.

ودعا عبد الغني إلى محاسبة النظام وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، استناداً إلى قرارات مجلس الأمن الدولي، مشيراً إلى أن التقرير “صدر في توقيت ظهرت فيه محاولات تقارب مع النظام السوري من قبل قوى إقليمية، وتراجع الاهتمام بالملف السوري”، معتبراً أن “هذا التقرير أعاد الاعتبار للقضية السورية”.

وأعرب عن اعتقاده أن التقرير “شكل ضربة قوية للنظام وللجانب الروسي”، موضحاً أنه أشار بشكل مباشر إلى مسؤولية قوات “النمر”، التي يقودها سهيل الحسن المرتبط بشكل كبير مع موسكو.

وبيّن أن شهر فبراير/ شباط المقبل “سيشهد فعالية عالية المستوى بمشاركة العديد من دول العالم حول سورية”. ولفت إلى أنّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان ستطالب في هذه الفعالية المجتمع الدولي باتخاذ خطوات ضد النظام، بما فيه تغييره، وتطبيق الانتقال السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى