صباح الخير يا لقمان.. صباح الخير لك في عليائك… وصباح خاص لصديقتك الشريرة… ولكل الأشرار الطيبين الذين عرفتنا بهم وأصبحوا جزءا من يومياتنا، يضحكوننا تارة، ويبكوننا تارة أخرى…
منذ ذلك اليوم، الذي افترقنا فيه في باريس، وأنا أنتظر عودتك بفارغ الصبر لنحتفل معا كما كانت أمنيتك في آخر مكالمة هاتفية بنجاح ثورة شعبنا اللبناني، وتمكن قضائه من الإطباق على الطغمة السياسية الفاسدة العاهرة، التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا ولا شعوب الأرض جميعا…! ويكون في ذلك بداية لغد آخر ووطن جديد على مقاسنا وكما نحب وكل المخلصين لمبادئ الحرية والديمقراطية الحقة، ولكي نتحدث في المواضيع التي بقيت معلقة، وفي مشروع الفيلم الذي تحدثنا عنه بسرعة، والذي سيدور موضوعه حول تعذيب النساء في السجون السورية…
لقد ربطت قدومك إلى باريس في آخر مكالمة بانتصار ثورة 17 تشرين الذي كنت تراه صعبا ودونه أهوال، ولكنك كنت تراه قريبا في آن معا… أتذكر كلماتك التي ما زالت تضج في داخلي « هم أقوياء، ولكن أضعف مما تتصور… لأن الباطل ضعيف… »، مكررا « علينا العمل بخطى ثابتة مدروسة »… كنت تتحضر لتأتي ففرض انفجار بيروت المفاجئ والكارثي نفسه عليك وعلى الجميع حركة وتفكيرا… فألغيت سفرك، وانصب اهتمامك على هذا الملف الشائك المعقد جدا، فكنت أول من فكفك كثيرا من طلاسمه، بشكل موثق بالأدلة بعيدا عن الإنشائيات التي يضج بها إعلامنا وفضائياتنا…
لقد كنتُ ككثيرين غيري، نتابع تحليلاتك التي تضع النقاط على الحروف بشفافية مطلقة، حيث كنت تذهب بعيدا إلى أبعد الحدود في كل ما تقول، بلا خوف ولا مواربة… فكانت تحليلاتك كمن يضع الملح على الجراح النازفة، فتزداد لهبا وألما… لقد كنت بحق كمن كان يحمل روحه على كفه ويسير في طريق الجلجة… بل كنت تضعها في كفة الميزان مقابل الباطل الذي يتشدقون به، ويدافعون عنه، ويختبؤون وراء ظلاله بلا حياء من الوطن ومن الدماء البريئة التي سفكوها… فكنت تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا التي يعتصرها خوف حقيقي عليك، لأنك كنت نحن جميعا، وكنت بحجم كل الوطن…
كنتُ أسائل نفسي إن التقينا: بماذا سوف يستفزني هذه المرة يا ترى، ألا يعرف أنني استفزازي مثله أيضا…؟ وأتساءل كذلك كيف سيبدأ لقاؤنا…؟ أهل كعادته بلحظات صمت، متبوعة بنظرات يتركها تتجول فيمن أمامهفتكبله، ثم ينظر إلى البعيد كمن يقطف من المستقبل أحلامه…؟ أم سيبدأ بابتسامته الهازئة الباردة الآسرة في آن معا والتي تخبئ ألف سؤال وسؤال، وتحكي حكايا كثيرة للبارعين في الترجمة…
كنت سأطرح عليك أسئلة كثيرة لكي لا أعطيك فرصة طرح الأسئلة… والشيء
الوحيد المتأكد منه يا عزيزي لقمان هو أنني كنت سوف أسألك عن صديقتك الشريرة وكل أفراد عائلتها وأصدقائها وعن أحوالهم، وفيما لو كانت ترى أفقا لواقعنا، ونهاية لواقع وطننا المرير…؟ ثم أنتقل للحديث عن الوجه الآخر للعملة، وأقصد وجهها الطيب الذي يشبه مواطنا بسيطا لا يستطيع تأمين لقمة العيش لأبنائه،ويرفض الركوع وكل الإملاءات، ويقاوم حتى آخر رمق، ملتحفا بالصبر وعلم الوطن…!
كنت أنتظر لقاءك، وها أنت ذا يا عزيزي من ينتظرني وينتظرنا جميعا… هناك في عوالمك حيث أنت في عليائك…! وبكل تأكيد سوف أحمل لك معي عند القدوم خبر نهاية من استباحوا دماءك خوفا من صوتك المدوي ورصاص كلماتك الشريفة الحرة… وكيف أصبحوا اليوم كالنمل يختبؤون في جحورهم، ويخافون الخروج منها حتى لا يدوسهم الشرفاء بأقدامهم… وهم اليوم ككل الطغاة الجبناء المجرمين المبللة أياديهم بالدماء الزكية الطاهرة أصبح ظل ضحاياهم يطاردهم، وغدا الخوف قتاتهم، وغدت عوراتهم مكشوفة للعيان، إلا لعبيدهم المتمترسين بالمذهب وحقدهم التاريخي…
فاسترح يا عزيزي لقمان، وكن قرير العين… فسوف آتيك يوما محملا بأخبار طيبة عن شباب استطاعوا كسر الصمت مرة أخرى، وحرروا الوطن وأنقذوه من براثن أحقر طبقة سياسية متغولة عرفها التاريخ وعرفتها شعوب الأرض…
انتظرني يا عزيزي فأنا قادم…
وتذكرة السفر مجانية قديهبها القدر، وربما كاتم الصوت، فمن يدري…؟…ولكنني قادم كغيري بكل تأكيد، لكي أزف لك الأخبار التي تنتظرها وتسعدك، وتثبت أن دماءك لم تذهب هدرا، وعندها سوف نضحك سوياً حد القهقهة…
انتظرني يا طيب، أنت وصديقتك الشريرة التي لم توفر أحدا من شرورها، والتي أستحضرها كلما رأيت وجوه الساسة والصحفيين الكتبجية المتسولين على شاشات الفضائيات… فأبصق قرفا وأردد: كم كنت طيبة ايتهاالشريرة…!
المصدر: السؤال