«إشراق» على طريق الحرية وديمومة الثورة

عبد الباسط حمودة

كان للربيع العربي التأثير القوي فى طبيعة الأخبار بالمنطقة العربية؛ فلقد أثرت التغيرات السياسية والأزمات الاقتصادية، في المجال الإعلامي بالمنطقة كلها، وبدلًا من تمكين المواطنين بالمعلومات، كانت وسائل الإعلام تسيطر عليها قوى سياسية وتجارية تركت المواطنين عالقين؛ من هنا كان للتغيرات السياسية التي أحدثها الربيع العربي تأثير مهم فى أنظمة الإعلام العربية، خاصة التي شهدت ثورات عربية عدة عام 2011 وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة جعلت تصنيفها ضمن الدول المتحولة ديمقراطياً.

ولقد أثرت التغيرات السياسية التي هزت المنطقة بفعل الثورة العربية عام 2011، على سلوك وعادات استهلاك وسائل الإعلام العربية بشكل عام، واستهلاك الأخبار على وجه الخصوص، وأصبح المواطنون أكثر انخراطاً في الأخبار، وأدت المنافسة الشديدة بين وسائل الإعلام إلى التركيز على القصص السلبية التي تكون أحياناً مهمة، ولكن الإفراط في التغطية وتكرار الأخبار السلبية كان قد دفع الجمهور لتجنب الكثير من الأخبار، علماً بأن لوسائل الإعلام دوراً في تكوين المعرفة والوعي السياسي، وفي توجيه السلوك، ذلك لوجود علاقة مباشرة بين ما تطرحه وسائل الإعلام والسلوك الإيجابي أو السلبي للجمـاهير.

وتواجه وسائل الإعلام الرئيسة في المجتمعات والدول المتحولة تحديات شديدة، لتغطيتها أزمات عديدة، قد تدفعها للتركيز في أغلب الأوقات على السلبيات، مما يؤثر في سلوك المتلقي ويجعله يبتعد عن متابعتها والشعور باليأس وخيبة الأمل؛ فكان انطلاق الثورة السورية عام 2011، الذي لم يكن محض صدفة بالنسبة لأيّ مواطن سوري عاش مرارة الظلم والكبت والحرمان التي مارستها قوات نظام الاستبداد السوري، العسكرية والأمنية طيلة عقود، ما بين اعتقال ومصادرة للرأي تارة وما بين نفي تارة وقتل أخرى، لتُدخل هذه الثورة أملاً بالخلاص وتحقيق حلم الحرية والتغيير، الذي بدا أنه بعد حوالي 12 عاماً  من الثورة مازال بعيد المنال! وأسبابه باتت معروفة ومكشوفة لجميع السوريين الأحرار.

أمام تلك الممارسات كان لابد للأحرار والرافضين للظلم والقهر والاستبداد وممارسات النظام السوري وأعوانه، من رفع الصوت عالياً والسعي لتأسيس منابر إعلامية وصحفية تمثلهم، وتسعى لتحقيق أهدافهم، بهذا المسعى جاءت صحيفة «إشراق» صوتاً للحق والثورة، ينادي بإسم الكل السوري الرافض للظلم والقتل والتهجير والاعتقال والتشريد والتجويع، فجاءت صحيفة مطبوعة وإلكترونية، سياسية وثقافية واجتماعية منوعة، نصف شهرية، لتكون الصدى السوري والعربي والتركي الذي ينافح بقوة عما يعانيه السوريون من ظلم وطرد وتشريد وتجويع واعتقال وقتل متعمد بشكل مباشر أو من خلال قصف  الطيران الحربي الروسي والأسدي لتعزيز فاشستيتهم ووحشيتهم التي فاقت كل الحدود.

وباعتبار أن انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 وما تبعها من أحداث ساهم في تطور المنظومة الإعلامية لنشطائها، الأمر الذي سمح لثلة من خيرتهم بتأسيس الصحيفة، والمشاركة بالمؤتمرات والندوات والفعاليات، للنشطاء السوريين والأتراك التي ساهمت ومازالت تساهم في فضح جرائم نظام الجريمة الأسدي وغيره من الأنظمة العربية، عبر السماح لهم بالتدوين والكتابة والمشاركة بكل النشاطات ذات الصلة، والتي تنظمها الدولة التركية وغيرها من المؤسسات الأوربية والغربية الداعمة للحرية وحقوق الإنسان.

وفي ذكرى تأسيس صحيفة «إشراق» نعتز بها وبما حققته خلال مسيرتها الإعلامية، ونقلِها للرسالة الصادقة منذ انطلاقتها في نهاية عام 2015، ودورها في إبراز الصورة الحضارية التي حملتها عربياً وتركياً، مسطرةً في صفحاتها آمال وحلم الشعب السوري بكل أعدادها، عدداً إثرَ عدد، ومعبرةً عن تطلعات وآمال الشعب السوري في قيام دولته الحرة لجميع السوريين وبجميع انتماءاتهم، تحت علمٍ واحد ومصيرٍ مشترك ومستقبلٍ واعـد.

فلا يمكن للشعوب أن تؤسس للديمقراطية إلا بامتلاك قرار المواجهة الرافض للظلم المعبرّ عن كل أشكال الوحشية التي تحاك ضدها، وكي لا تكون عاجزة عن الرد أو المدافعة عن نفسها، ولكي تعبرُ عن مظُلوميتها لا بد من وجود لسان قوي يصدحُ بالحق منافحاً عن الظلم وأشكاله، فكانت صحيفة «إشراق»- التي أتشرف بدوام الكتابة فيها- منارةً في نقل صورة الطغيان والفاشية البشعة عبر مقالاتٍ وتحقيقاتٍ وحواراتٍ ودراساتٍ لكُتابها، الذين دونوا بأقلامهم الحرة ما رأته أبصارهم وعايشته أرواحهم من جرائم، مورست ضد شعبهم عبر سنوات تحت غطاء الديمقراطية المزيفة “روسياً وأميركياً وإيرانياً” فضلاً عن الزعم بمحاربة ما سمي بالإرهاب، إلى جانب عملائهم وشبيحتهم، أنصار الباطل وأدواتـه.

وهكذا كان للصحيفة أثر بالغ بمسار وطريقة تفكير متابعيها وقرائها، فضلاً عن منتقديها سواءٌ بالإيجاب أو بالسلب، فمن آثارها:

– رفع مستوى الوعي بين السوريين، فضلاً عن التقارب بين الشعبين وتوطيد أواصر التآلف واندماج السوريين بالمجتمع التركي.

– تحسين مستوى ثقافة وطريقة عيش السوريين والدفاع عنها.

– خلق حالة من الوعي حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية لقرائها ومتابعيها.

أكتب هذه المقالة في ذكرى تأسيس وإطلاق هذا الصرح الإعلامي والثقافي التركي السوري المشترك، التي تجلت رسالتها في الدفاع عن كل القضايا الوطنية السورية والتركية، ومناصرة حق الشعب السوري في الحرية والكرامة، والتي ما زالت تثبت وجودها وحضورها الإعلامي، مقدرين بهذه المناسبة للشعب التركي وحكومته وقوفهم مع آلامنا، وتضميدهم لجراحاتنا ومد يد العون لكل السوريين على أراضيهم.

ونأمل أن يكون العام القادم عامَ عودة السوريين إلى بلادهم، وانتهاءً للاستبداد والظلم الذي مورس ضدهم، على مدى عقود مضت وحتى هذه الأيام، وأن ينعموا بالأمن والأمان، بدلاً من القهر والتشريد الذي صُبَ عليهم صباً، ودفعهم لمغادرة أوطانهم، وأن تصْدِر صحيفة «إشراق» أعدادها من سورية، ويُكتب في ثناياها فصول الوحدة والحرية، وصور السلام الاجتماعي والسياسي، بدلاً من صور الظلم والتشريد والصواريخ الروسية والإيرانية، والقنابل المحرمة دولياً، فعندئذٍ فقط تنعم سورية مع بلدان العالم بالأمن والأمان، فلا أمن بدون سورية آمنة، ولا حرية بلا سورية حرة وبدون بث الأمل في نفوس جميع السوريين.

المصدر: اشراق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى