رفعت موسكو، الجمعة، من وتيرة تصريحاتها بشأن موضوع التقارب بين تركيا وسوريا، وركزت في شكل خاص على المساعي التي يجري الحديث عنها لعقد لقاء بين الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان. وتزامنت مواقف روسيا مع حديث مصادر سورية لوكالة “رويترز” عن مقاومة الرئيس السوري لمساعٍ تبذلها موسكو من أجل عقد هذا اللقاء، الأمر الذي بدا وكأنّه ردّ روسي غير مباشر على هذه المزاعم لا سيما أن تصريحات ثلاثة مسؤولين روس استبعدت وجود خطة عملية يجري العمل عليها لعقد مثل هذا اللقاء بين الرئيسين.
وقال الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، إن موسكو “لا تفرض وساطة على أنقرة ودمشق”، إنما تبدي استعدادها لـ”عقد لقاء بين أردوغان والأسد”.
وجاء في حديث بوغدانوف لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أمس الجمعة في 2 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أن موسكو تقول دائماً إن التقارب هو “الخيار الصحيح”، لكن لا يوجد أي “عمل ملموس على المستوى السياسي” حتى الآن.
وأضاف أن روسيا لم تُعدّ هذا النوع من الخطط في هذا الإطار حتى الآن، بحسب “سبوتنيك”.
وأكّد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، على نقطتي “عدم وجود عمل ملموس” و”عدم وجود خطة” لعقد لقاء بين الأسد وأردوغان، حيث قال أيضاً، أمس الجمعة، في ردٍّ على سؤال صحافي عما إذا كانت هناك بالفعل خطوات ملموسة لتنظيم لقاء بين الرئيسين السوري والتركي: “حتى الآن لا توجد تفاصيل”.
بدوره لم يخرج المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف عن الإطار العام لتصريحات زميليه، حيث قال في مقابلة مع قناة “العربية”، أمس الجمعة، ردّاً على سؤال يتعلق في إمكان رفع الاتصالات بين سوريا وتركيا إلى مستوى أعلى، أنه يمكن الرجوع إلى كلام وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو أنه “لم يحن الوقت لذلك”.
وعن إمكانية أن يجتمع الرئيسان أردوغان والأسد في روسيا، قال المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا إن “الإمكان دائماً متوافر، ونحن دائماً نؤيد ترتيب عقد مثل ذلك اللقاء”.
وكانت وكالة “سبوتنيك” قد نقلت عن لافرنتييف أنه قال أثناء المقابلة إن روسيا تعمل على تنظيم لقاء بين الرئيسين الأسد وأردوغان، الأمر الذي اعتبرته مواقع سورية معارضة أنه يمثل موقفاً مختلفاً عن المواقف التي عبر عنها كل من بيسكوف وبوغدانوف.
وقد تكون عبارة لافرنتييف التي أثارت اللغط هي قوله: “أنا أكرر هنا أن تركيا يجب أن تنظر في ذلك (اللقاء)، لكن نحن نعتقد أن لقاءً مثل هذا من شأنه أن يكون إيجابياً ومفيداً بشكل عام، ونحن نعمل في هذا الاتجاه”.
ومن شأن تصريحات المسؤولين الروس أن تدحض ما نقلته “رويترز” عن ثلاثة مصادر سورية في أنّ “سوريا تقاوم جهود الوساطة الروسية لعقد قمة مع الرئيس التركي، بعد عداء مرير على مدى أكثر من عقد منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا”.
وتستبطن العبارة التي استخدمها الدبلوماسي الروسي المخضرم بوغدانوف ردّاً غير مباشر على مزاعم المقاومة حيث قال إن “روسيا لا تفرض وساطة على دمشق وأنقرة” بمعنى أن روسيا لا تمارس ضغوطاً تستوجب مقاومتها من قبل أيٍّ من العاصمتين، وهو ما يجد صداه أيضاً في تصريحات بيسكوف التي نفى فيها وجود خطوات ملموسة لعقد لقاء بين أردوغان والأسد.
ومع ذلك فقد برز نوعٌ من التقاطع بين تركيا وسوريا حول الموعد المحتمل لعقد لقاء بين رئيسي الدولتين، وبدا كأنّ الدولتين تفضّلان تأجيل عقد مثل هذا اللقاء إلى ما بعد الانتخابات التركية في شهر حزيران (يونيو) المقبل.
وقد ظهر ذلك في ما نقلته “رويترز” عن مصدرين في أن “دمشق تعتقد أن مثل هذا الاجتماع قد يعزز موقف الرئيس التركي قبل الانتخابات في العام المقبل، بخاصة إذا تناول هدف أنقرة بإعادة بعض من 3.6 ملايين لاجئ سوري من تركيا”، وقال أحدهما: “لماذا نمنح أردوغان نصراً مجانياً؟ لن يحدث أي تقارب قبل الانتخابات”.
وكان الرئيس التركي بدوره قد أكد في تصريحات سابقة أنه سوف يعيد النظر في علاقات بلاده مع سوريا بعد الانتخابات. وفي رد على أسئلة صحافيين قبيل عودته من إندونيسيا عن طبيعة العلاقات مع مصر وسوريا، قال أردوغان: “يمكننا إعادة النظر في علاقاتنا مع الدول التي نعيش معها مشاكل بعد الانتخابات”.
وأكّد إردوغان، الخميس الماضي، أنه “يمكن إعادة النظر في العلاقات مع سوريا ومصر عقب الانتخابات” التي تشهدها تركيا في حزيران (يونيو) من العام المقبل.
وكان لافرنتييف قد أشار في مقابلته مع “العربية” إلى أنه بخصوص التقارب السوري – التركي، لا مشكلة في التوقيت لكن في الرغبة بالتقارب بين البلدين. وقال المسؤول الروسي: “نحن نقول لا مشكلة في الوقت بل الرغبة… الرغبة في التحرك في اتجاه بعضهما البعض”.
وأشار لافرينتيف، الذي يرأس أيضاً وفد بلاده إلى المحادثات السورية في آستانا، إلى أهم العقبات التي تحول دون التقدم على مسار التقارب بين البلدين، وقال إن “ما يحول دون تحقيق ذلك ربما أمران رئيسيان: أولاً، موضوع الحدود والتواجد التركي في أراضي دولة ذات سيادة، وثانياً الدعم الشامل الذي تقدمه تركيا للمعارضة السورية، وهما نقطتان رئيسيتان تحولان دون التقارب، أو ربما لهما تأثير سلبي في التقارب بين البلدين”.
المصدر: النهار العربي