في الوقت انتهج الأردن الرسمي أخيراً التهدئة الإعلامية والدبلوماسية حيال إيران بعد سنوات من التصعيد والاتهامات، تزايدت تحذيرات أطلقها خبراء ومسؤولون أردنيون سابقون من الخطر الإيراني على المملكة، كاشفين في الوقت ذاته عن مخططات ومعلومات يتم الحديث عنها للمرة الأولى، ومن بين هؤلاء برز حديث الوزير السابق والسفير الأردني الأسبق لدى إيران بسام العموش الذي كشف خلال ندوة نظمها معهد الشرق الأوسط للإعلام والدراسات السياسية عن سياسة إيران التوسعية في المنطقة العربية ومن ضمنها الأردن، حيث تسعى طهران إلى العبث بأمنه واستقراره، داعياً أصحاب القرار إلى الحذر.
تسلل عبر السياحة الدينية
وتحدث العموش، وهو أيضاً قيادي سابق في جماعة “الإخوان المسلمين”، عن خطة وعرض إيرانيين عندما كان سفيراً للأردن لدى طهران، بإنشاء مطار في مدينة الكرك جنوب المملكة بداعي السياحة الدينية الإيرانية، حيث توجد بعض مراقد “الصحابة” مثل قبر الصحابي جعفر بن أبي طالب. وأضاف أن الإيرانيين عرضوا تسيير رحلات لـ 1000 حاج إيراني يومياً، مؤكداً أن الهدف الحقيقي هو زرع خلايا إيرانية نائمة في البلاد، على غرار ما حدث في دول عربية أخرى مثل سوريا، حيث استوطن الإيرانيون وأنشأوا أحياء بأكملها وأقاموا مؤسسات ضخمة، وقال العموش إن إيران تحلم بتصدير “الثورة الإسلامية”، معتبراً أن أهم بلدين تطمع إيران في التسلل إليهما هما الأردن ومصر.
اختراقات إيرانية
وأشار العموش إلى جانب آخر يتمثل في رغبة إيران تأسيس وجود شيعي في الأردن عبر الاستثمار، موضحاً أنهم حاولوا استغلال الوضع المائي في البلاد وعرضوا على الحكومة الأردنية تبني مشروع مائي ضخم عرف باسم مشروع “الديسي” لجر المياه شرط إحضار العمالة من إيران، وهو ما فسره الوزير الأسبق بأنه محاولة لخلق موطئ قدم لـ “الحرس الثوري الإيراني” في المملكة، وأن الخطة كانت عبارة عن توسع الوجود الإيراني في المنطقة، وأن كل ما تريده إيران هو الاستيطان بداعي إنشاء المشاريع. وأضاف أنه حذر الأجهزة الأمنية الأردنية من عدم التراخي أو التساهل في التعاطي مع هذا الملف، لأن نتائج ذلك ستكون زرع خلايا نائمة بانتظار ساعة الصفر.
وكشف العموش عن خروقات إيرانية لبعض الأجهزة في الأردن من دون تسميتها وبملايين الدولارات، كما تحدث نقلاً عن العاهل الأردني عبدالله الثاني عن حصول اشتباكات بالمدفعية بين القوات الأردنية والميليشيات الإيرانية داخل الأراضي السورية.
النووي الإيراني ضد العرب
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشأن الإيراني نبيل العتوم إن الهدف الأساس من المشروع النووي هو استهداف الدول العربية وتهديدها، وإن حاجتها إلى هذا السلاح مذهبية وجيو-استراتيجية في ظل التفوق العربي عليها في السلاح التقليدي، وأكد العتوم أن العداء الإيراني لإسرائيل مجرد ادعاء والمناهج الدراسية الإيرانية لا يوجد بها ما يدل إلى أن إسرائيل عدوة لها، والعدو بالنسبة إلى إيران هم العرب وليست إسرائيل، مضيفاً “وسائل الإعلام الإيرانية سربت أنباء تتحدث عن لقاءات أمنية أردنية – إيرانية يتم عقدها في العراق، وهو ما يفسر ربما التحول المفاجئ في اللهجة الأردنية الرسمية حيال إيران من كيل الاتهامات إلى التهدئة”.
وأشار العتوم إلى غياب أي مشروع عربي لمواجهة إيران التي تقوم بتهريب 3 آلاف نوع من الذخيرة والأسلحة إضافة إلى المخدرات للأردن، متوقعاً أن تكون المعركة أكثر شراسة مع المحاولات الإيرانية لاختراق الأردن، بدليل رفع طهران موازنة “الحرس الثوري” و”فيلق القدس”، ورغبتها في تكرار تجربة “الحشد الشعبي” ونقلها إلى دول عربية أخرى.
استدارة سياسية
وتراجعت حدة التصريحات الأردنية ضد إيران بعد أعوام من خطاب رسمي قلق وعلاقات متوترة مع طهران، إذ دأب الأردن على التحذير من الحشود الإيرانية قرب الحدود السورية، كما حذر الملك الأردني مراراً من “الهلال الشيعي” ومن خطورة “احتلال إيران الفراغ الذي ستتركه روسيا في الأراضي السورية”، ففي عام 2021 كشف خلال مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية عن تعرض بلاده للهجوم بطائرات من دون طيار إيرانية الصنع.
وفي شهر يوليو (تموز) الماضي قال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة في تصريحات مغايرة لقناة “بي بي سي عربية” إن إيران لا تشكل تهديداً للأردن، موجهاً رسائل وإشارات متناقضة للأردنيين الذين لا يرحبون بعلاقات مع طهران، وفق استطلاع رأي أجراه “معهد سياسات الشرق الأدنى” عام 2015.
وقال الخصاونة رداً على سؤال حول الخطر الإيراني على الأردن خلال اللقاء، إن “المملكة لم تتعامل يوماً مع طهران على أنها تهديد للأمن الإقليمي الأردني”، وهو ما يخالف جملة من التصريحات التي أطلقها العاهل الأردني على مدى السنوات الماضية، محذراً فيها مراراً من “الهلال الإيراني” والتسلل الناعم لطهران إلى المنطقة العربية، وكان آخرها دعوته إلى تشكيل حلف “ناتو” شرق أوسطي يكون من بين مهماته مواجهة الأطماع الإيرانية في المنطقة.
لكن اللافت أن هذه التصريحات تتناقض مع واقع الحال على الأرض، فحتى اللحظة تمتنع عمّان عن تسمية سفير لها في طهران منذ سحبه رسمياً رداً على الاعتداء على السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية، وتكتفي في المقابل طهران بإدارة سفارتها في عمّان من دبلوماسي من الصف الثاني بأركان السفارة في إشارة إلى حجم الفتور بين البلدين.
رد ايراني
بدورها، ردت السفارة الإيرانية في عمّان على التصريحات الرسمية الأردنية المتكررة التي تتهمها بتهديد المملكة، ويقول السكرتير الثاني ونائب رئيس البعثة في السفارة حميد رضا كاظمي إن “إيران لن تشكل تهديداً للأردن أبداً، فأمن الأردن جزء من أمن الشرق الأوسط وهو أولوية لنا، والوجود الإيراني في دمشق جاء بدعوة من النظام السوري في أماكن معينة وبالتنسيق مع القوات السورية بهدف مواجهة إرهاب فصائل ’داعش‘ و’جبهة النصرة‘ و’أنصار الدين‘ ومجموعات أخرى”.
وأضاف كاظمي “ليست لدينا ميليشيات واتهامنا بتجارة المخدرات كبير، فنحن في إيران أكبر حاجز أمام تهريب المخدرات إلى المنطقة، ولا يوجد منطق في محاولة تهريب المخدرات إلى الأردن، فهذا اتهام غير مقبول”.
المصدر: اندبندنت عربية