قرار أوبك بلس الأخير.. كيف سينعكس على الأسواق العالمية؟

مصطفى هاشم

 قرر تحالف “أوبك بلس”، خفض الإنتاج في أكتوبر مئة ألف برميل يومياً، رغم محاولات الدول الغربية لإقناع الدول المصدرة للنفط بزيادة إنتاجها، من أجل احتواء التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته منذ عقود، ما يثير التساؤلات حول انعكاس هذه الخطوة على الاقتصاد العالمي والأسعار ومن سيدفع ثمنها، مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.

واتفق ممثلو الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة الرياض وشركاؤهم العشرة بقيادة موسكو،  الإثنين، على “العودة إلى حصص شهر أغسطس” أي خفض بمئة ألف برميل مقارنة مع سبتمبر، كما أعلنت “أوبك+” في بيان.

واعتبر وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن القرار أظهر استعداد “أوبك+” لتعديل الإنتاج في كلا الاتجاهين لتحقيق أهدافها”، مضيفا في تصريح لبلومبيرغ، أن “التعديل البسيط يظهر أننا سنكون متيقظين واستباقيين وفاعلين فيما يتعلق بدعم استقرار السوق وضمان فاعليته”.

وارتفعت أسعار نفط برنت بحر الشمال، الإثنين، بعد هذا القرار، بأكثر من أربعة في المئة ليتجاوز وبرميل النفط الخفيف الأميركي المرجعي الى 90,18 دولار، قبل أن يقلص جانبا من مكاسبه، بينما قفز خام برنت القياسي قرب الـ97 دولارا قبل أن يتراجع إلى مستويات 95.5 دولار.

واعتبر الكاتب الاقتصادي والمعلق على أسواق النفط وعضو لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي سابقا، فهد بن جمعة، أن تخفيض  “أوبك +” إنتاجها بمئة برميل يوميا، “يهدف إلى توازن أسواق النفط، مع ما تشهده من مضاربات وعدم وجود استقرار ولا ترابط بين الأسعار الفورية والآجلة”.

ويرى بن جمعة في حديثه مع موقع “الحرة” أن “قرار أوبك + سيحمي الأسواق من الانهيارات، في ظل وجود شح في الإمدادات ونقص في الطاقة الفائضة ونمو في الطلب”.

وقال ماثيو هولاند، المحلل في شركة “إنرجي أسبكتس” لأبحاث الطاقة، لرويترز إن  “أوبك+ قلقة إزاء التقلب طويل الأمد في الأسعار نتيجة ضعف الثقة في الاقتصاد الكلي وضعف السيولة وتجدد عمليات الإغلاق الصينية (لمكافحة كوفيد-19) وكذلك الغموض بشأن اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران والجهود الرامية لفرض حد أقصى لأسعار النفط الروسي”.

وكان وزير الطاقة السعودي أكد قبل عشرة أيام أنّ مجموعة “أوبك+” لديها الوسائل للتعامل مع تحديات سوق النفط المتذبذب، بما في ذلك إمكان خفض الإنتاج في أي وقت وبطرقٍ مختلفة.

وكانت الأسعار، وبسبب الآفاق الاقتصادية القاتمة، سجلت، في أغسطس، ثالث تراجع شهري على التوالي بعيدا عن المستويات القياسية التي لامست 140 دولارا للبرميل.

تبعات القرار

واعتبر المتخصص في الاقتصاد السياسي والمقيم في بولندا، نجم الدين كرم الله، أن كمية خفض الإنتاج “رمزية جدا، والهدف منها استقرار الأسعار ولن يكون لها أي تأثير، ولا تبعات مفصلية”.

وأضاف في حديثه مع موقع “الحرة” أن القرار لن تكون له دلائل اقتصادية كبيرة في سوق النفط في العالم والأسعار، خاصة أنه كانت هناك زيادة بنفس القدر في سبتمبر الجاري، والآن تم الخفض بنفس القدر”.

ويرى خبير الاقتصاد العراقي، عبد الرحمن المشهداني، في حديثه مع موقع “الحرة” أن مسألة خفض الإنتاج “يأتي في إطار استهداف الدول المنتجة للنفط للحفاظ على استقرار الأسعار فوق 95 دولار”.

ويختلف المشهداني مع كرم الله، مشيرا إلى أن “قرار “أوبك +” بالتأكيد سيكون له “تبعات سلبية، لأن هذا سيعمل على إشعال جذوة التضخم وإبقائها مرتفعة، خاصة وأننا مقبلون على شتاء تشير التقديرات على أنه سيكون قارسا”.

وأضاف أنه “مع استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، ستتكلف موازنات الدول المستوردة للنفط ومواطنوها حمل عبء هذا الارتفاع، وسيؤثر الأمر على كل المواطنين في كافة بقاع العالم”.

ويعتقد المشهداني أن السعر المناسب لبرميل النفط يجب أن يكون ما بين الـ75 إلى 85 دولارا بناء على دراسة سابقة له، موضحا أن “هذا السعر منصف للدول المنتجة والمستهلكة”، مشيرا إلى أن قرار خفض الإنتاج الذي اتخذ الإثنين “سيبقي معدلات التضخم مرتفعة”.

ويتفق معه الخبير الاقتصادي المصري، رائد سلامة، على أن هذا القرار “سيؤدي إلى مزيد من التبعات السلبية، خاصة وأننا على أعتاب مرحلة ركود تضخمي مهولة سيشهدها العالم كله”، وفقا لما أكده لموقع “الحرة”.

ويقول المشهداني: “رأينا التبعات السلبية على الاقتصاد العالمي مع ارتفاع الأسعار، وتراجع كثيرا معدل النمو العالمي وكذلك معدل التجارة العالمية، وهذا سيؤدي إلى ركود كبير في كافة أنحاء العالم”.

وأوضح أنه “في ظل ارتفاع أسعار النفط وانخفاض معدلات النمو العالمي والتجارة، في اعتقادي أن الركود سيعم بلدان العالم قاطبة حتى الدول المنتجة للنفط ستتحمل تكاليف ارتفاع أسعار النقل، ونحن في العراق عانينا من ذلك”.

ما يزيد من الأزمة، من وجهة نظر المشهداني، وصفه الخطوات الأوروبية من أجل إيجاد حلول لمشكلة وأزمة الطاقة والحرب مع روسيا وأوكرانيا وتأثيرها على قطع الإمدادات حتى هذه اللحظة “خجولة بشكل كبير”، مضيفا أنها “لا تتناسب مع حجم الأزمة وأننا مقبلون على شتاء قارس”.

أزمة الطاقة الأوروبية

وبعد قرار “أوبك +”، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيار، في بيان، إن الرئيس الأميركي، جو بايدن “كان واضحا بأن إمدادات الطاقة يجب أن تلبي الطلب لدعم النمو الاقتصادي وخفض الأسعار للمستهلكين الأميركيين وفي جميع أنحاء العالم”.

وقالت المتحدثة الأميركية: “لقد اتخذ الرئيس إجراءات، بما في ذلك الإفراج التاريخي عن النفط من الاحتياطيات الاستراتيجية الأميركية والعالمية والعمل مع الحلفاء على وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي لضمان الحفاظ على إمدادات النفط العالمية، حتى في الوقت الذي نعاقب فيه (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين”.

من جهته، يقول الخبير الاقتصادي السعودي، فهد بن جمعة لموقع “الحرة”: “نعم، ما يحدث في أسواق النفط من أزمات وارتفاع أسعار الطاقة له أثر سلبي على الاقتصاد العالمي بسبب الأزمة الجيوسياسية في أوكرانيا، لكن أوبك + لم تستطع تحقيق حصصها المحددة بالإجمالي، ومعظم الدول المصدرة للنفط تنتج عند أقصى طاقة لها”.

وأضاف أن الدول المنتجة للنفط لم تكن مستعدة لمثل هذه الأزمة الجيوسياسية، كما أن الشركات الأميركية فضلت الأرباح على زيادة الإنتاج”.

وأوضح أن “انخفاض الأسعار يؤدي إلى نقص المعروض بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، ولكن ارتفاع الأسعار يحفز المنتجين على زيادة إنتاجهم، وموسم الشتاء قادم وسيرتفع الطلب وبالتالي الأسعار”.

وحول إن كانت مجموعة “أوبك +” ستتخذ قرارا جديدا بخفض الإنتاج أكثر الشهر المقبل إذا استمر تذبذب  أسعار النفط وتقلباته، يقول بن جمعة إنه “من الصعب التنبؤ بما سينتج عنه الاجتماع المقبل، والأمر يعتمد على اجتماعات اللجنه الوزارية التي ستنعقد في أي وقت تراه لتقييم الأسواق”.

لكن المشهداني يؤكد أنه “كلما ارتفع أسعار النفط لابد أن يعقبه انهيار حاد في أسعار النفط”.

وأوضح أن “ارتفاع أسعار النفط يكون حافزا لدخول استثمارات جديدة من أجل زيادة الإنتاج، وهذه الزيادات تحتاج من ثلاث إلى أربع سنوات حتى يدخل إنتاجها الجديد إلى السوق النفطية، لكن عندما تدخل ستنهار الأسعار بشكل كبير”.

أما الأمر الآخر، الذي يشير إليه المشهداني فهو المفاوضات مع إيران، رغم تصريحات منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الإثنين، بأن ثقته تراجعت بشأن الاختتام السريع لمفاوضات إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، المبرم في عام 2015 والتي يتولى تنسيقها.

وقال المشهداني إن تصريحات بوريل أسهمت في ارتفاع أسعار النفط، لكن هذا لا يعني أن إيران قد لا تتفق مع الدول الكبرى في مسألة الاتفاق النووي، “وبمجرد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق ستنهار أسعار النفط بشكل كبير خاصة إمكانية طهران في ضخ إلى ما يصل إلى مليون ونصف برميل يوميا، وهو ما سيؤدي إلى انهيار الأسعار”.

المصدر: الحرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى