لماذا تقلق موسكو من زيارة بايدن للمنطقة

بسام مقداد

لم تنتظر دول الشرق الأوسط الإعلان الرسمي عن زيارة بايدن للمنطقة، بل انهمك قادتها منذ التسريبات الأولى عن الزيارة في العودة إلى الملفات التي تعنيها مع الولايات المتحدة، ونشطت جولات مسؤوليها على دول القرار في المنطقة وخارجها. ونشط الإعلام في المنطقة في تحليلاته وتوقعاته لنتائج الزيارة الأولى للرئيس بايدن للمنطقة، وتركز إهتمامه على إمكانية نجاح بايدن في تطمين دول المنطقة بشان النووي الإيراني، وحمل دول الخليج على رفع  إنتاج النفط ومواصلة عمليات التطبيع مع إسرائيل.

يلتقي بايدن خلال زيارته المقبلة قادة إسرائيل وفلسطين والسعودية، ويحضر في مدينة جدة قمة تضم دول الخليج ومصر والأردن والعراق، ويتوقع أن تتم فيها العودة إلى نقاش مسألة إقامة ما يشبه حلف الناتو في المنطقة، يتولى التعامل مع مخاوف دولها من التهديدات الإيرانية التي تقض مضاجعها.

الحرب الأوكرانية التي قال بوتين الأحد المنصرم أنه لم يستخدم فيها بعد “ماهو جدي”، لم تشغل روسيا عن الإهتمام الشديد بالزيارة ومدى نجاحها في خروج دول المنطقة بموقف أكثر حسماً من الحرب الروسية على أوكرانيا. واللافت أن الرسميين الروس، وعلى عكس عادتهم في كل ما يتعلق بالشأن الأميركي، لم يكثروا من الكلام بشأن الزيارة، وإقتصر الأمر حتى الإثنين الماضي، على تصريح نائب وزير الخارجية المشرف على إدارة الشؤون الأميركية في الوزارة سيرغي رياباكوف. رأى الرجل أن بايدن سوف يركز في زيارته على البرنامج النووي الإيراني و”كل ما يتعلق به”، وعلى مسائل ضمان الأمن في منطقة الخليج. وعبّر عن شكوكه في مدى إستعداد الإدارة الأميركية للإعتراف بأنها لم تغير حتى الآن نهج ممارسة أقصى الضغوط على إيران الذي ورثته عل القيادة السابقة، في حين تعبر طهران عن إستعدادها للتطبيق الكامل للصفقة النووية. وأضاف بأن روسيا عازمة على قطع المسافة التي تخصها في الطريق إلى إحياء إتفاقية الصفقة النووية الإيرانية، ولديها تصوراتها الخاصة لتطبيق الصفقة.

تحاول روسيا إخفاء قلقها العميق من زيارة بايدن للمنطقة بالمراهنة على الشكوك السائدة في فشل الزيارة، وعلى رفض دول الخليج “العودة” إلى الحضن الأميركي وعجزها عن تعويض نقص الإمدادات النفطية.  وتكرر وسائل إعلام الكرملين والموالي له هذين البندين في موقف روسيا من الزيارة.

نشرت وكالة نوفوستي الرسمية في الخامس من الجاري نصاً عن زيارة بايدن بعنوان “ما الذي خسره بايدن في الشرق الوسط”. وعلى غير عادتها بنشر رأيها بإسم أحد معلقيها، نشرت هيئة التحرير النص من دون تذييله بتوقيع أحد في إشارة واضحة إلى أنه يعبر عن رأي الكرملين. لا تعيد هيئة التحرير قرار القيام بالزيارة إلى الظروف التي خلقتها الحرب في أوكرانيا من نقص في إمدادات النفط في السوق العالمية بسبب تخفيض حجمها من قبل روسيا،  بل ترى في الزيارة تراجع بايدن عن وعده الإنتخابي بجعل القيادة السعودية قيادة منبوذة لإتهامها بقتل جمال خاشقجي منذ 4 سنوات في إسطنبول. وتقول بأن بايدن جاء”للانحناء”، عملياً، أمام القيادة السعودية وإقناعها بالتخلي عن صفقة النفط مع روسيا في إطار أوبك+. وهذا يعني رفع حجم عرض النفط في السوق وتخفيض أسعاره، وبالتالي تخفيض عائدات روسيا من صادراته، وكذلك سعر البنزين في الولايات المتحدة، مما يرفع شعبية بايدن ويسمح بالإحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس في إنتخابات الخريف القادم.

لكن الهدفين غير قابلين للتحقق برأي نوفوستي، وتجزم بأن الحزب الديموقراطي سوف يخسر “حكماً” الإنتخابات في الخريف، حيث أن مطالب الناخبين لا تقتصر على التضخم فقط، وحتى إنخفاض سعر البنزين لن يساعد محازبي بايدن. أما “المس بجيب بوتين” فلن ينجح بالتأكيد، إذ أن رفض الغرب للنفط الروسي قد أسفر عن النقص في إمداداته وإرتفاع أسعاره، وهو ما لايمكن التعويض عنه بزيادة غير وازنة في العرض. وحتى الزيادة الجدية في إستخراج النفط لن تساعد، لأن الغرب، بإجراءاته في طبع النقود المحموم وتجميد الأرصدة المالية الروسية، جعل النفط والخامات الأخرى مجالاً شديد الإغراء لتوظيف النقود الرخيصة.

وترى نوفوستي أن السعوديين “حتى أنهم لا يفكرون” في الخروج من الإتفاقية مع روسيا. والتقارب مع روسيا والصين كانت سياسة واعية للقيادة السعودية أقرتها منذ عقدين من الزمن في عهد الملك السابق. وخلال السنوات التسع الأخيرة جرى حدثان بالغا الأهمية عززا التوجه نحو تخفيض إعتماد المملكة على الولايات المتحدة.

أول الحدثين تمثل في تخلي باراك أوباما عن توجيه ضربة إلى سوريا صيف العام 2013، بعد أن كان رسم خطوطاً حمراء هدد بمعاقبة من يتخطاها، وأتبع ذلك بتراجع أثار غضب السعوديين.  ومن أقنع أوباما بالتخلي عن الضربة كان فلاديمير بوتين الذي أرسل بعد عامين “مجموعة” عسكرية روسية لمساعدة الأسد.

أما الحدث الثاني فهو توطد علاقات القيادة السعودية الجديدة بعد العام 2015 مع روسيا،   وزياراتها المنتظمة إلى الكرملين. فالعلاقات الشخصية مع بوتين خلقت عاملاً إضافياً رسخ قناعة السعوديين  بمصلحتهم الإستراتيجية مع روسيا.  والتنسيق مع السعودية مهم لروسيا ليس في سوق النفط فقط، بل لأن روسيا أصبحت لاعباً مرموقاً في الشرق الأوسط، وتتميز عن الولايات المتحدة بسعيها لمصالحة العرب التدريجية مع الفرس، و ليس المراهنة على التناقضات بينهم.

صحيفة NG الروسية نشرت في 3 الشهر الجاري نصاً بعنوان “يقترحون على العالم العربي الإختيار بين موسكو وواشنطن”، وأرفقته بآخر فرعي “الأميركيون يخططون لانتزاع  الشرق الأوسط من روسيا”. تقول الصحيفة أن الدبلوماسية نشطت في المنطقة عشية زيارة بايدن، ومن الواضح أن البيت الأبيض يسعى لاستمالة بلدان المنطقة إلى جانب الغرب في الصراع مع روسيا. وتحيط بالزيارة أسرار كثيرة وأنصاف جمل،  ويحاول البيت الأبيض ألا يكشف للجمهور كل الظروف المحيطة بالإتفاقيات التي تريد الولايات المتحدة  بلوغها.

صحيفة vesty الإسرائيلية الناطقة بالروسية وتصدر عن يديعوت أحرونوت نشرت في 7 من الجاري نصاً بعنوان “الإسرائيلي الغامض: ما المفاجأة التي يعدها بايدن أثناء زيارته السعودية”، وأرفقته بآخر ثانوي “السيناريو المقصود ممكن، لكن غير مرجح، وعلى الأغلب دسيسة”.

بعد أن تذكر الصحيفة تفاصيل برنامج الزيارة ومحطاتها، تقول بأنه من غير المستبعد أن تطرأ على البرنامج تعديلات في اللحظة الأخيرة. تشير الصحيفة إلى أنه خلال المفاوضات بين ممثلي الولايات المتحدة والأطراف المضيفة سيتم البحث بالسيناريو الذي يلحظ إنضمام ممثل إسرائيلي رفيع المستوى (رئيس مجلس الأمن القومي إيال هولاتا أو رئيس الموساد ديدي برنيع) إلى الرئيس بايدن في رحلة مغادرته إسرائيل إلى السعودية. وتستدرك الصحيفة بالقول أنه من المفترض أن الفرص ضئيلة لحدوث مثل هذا التطور للأحداث.

تضيف الصحيفة إلى أنه لكل من الأطراف مشاكله ومصالحه المرتبطة بعقد مثل هذا اللقاء. فقد يساعد هذا الأمر بايدن على تحويل الإنتباه عن شخصه إلى شيء ما آخر (لأسباب عديدة لا يحظى الزعيم الأميركي بشعبية واسعة في السعودية). وقد ينقلب هذا ضد ولي العهد بن سلمان من جانب ممثلي الجيل القديم المحافظ من السياسيين المحليين. أم رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لبيد فسوف ينتهز الفرصة بكل سرور لتسجيل مثل هذا النجاح في رصيده الديبلوماسي، حتى لو لم تكن زيارة رجل دولة رسمي.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى