أطلق وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان رسائل سياسية – غير معتادة – من أنقرة ودمشق اللتين زارهما بفارق أيام قليلة معطياً إشارات إلى وساطة إيرانية ما يجري بحثها ما بين أنقرة ودمشق، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول ما إن كانت طهران تحاول التوسط لتجنب العملية العسكرية التركية المتوقعة شمالي سوريا أم أنها تلعب دور الوسيط لإعادة تطبيع العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري.
تصريحات نادرة
وفي تصريحات نادرة، قال وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته أنقرة يوم الاثنين الماضي إن بلاده «تتفهم» ضرورة تنفيذ تركيا عملية عسكرية جديدة ضد الوحدات الكردية شمالي سوريا، قائلاً: «نتفهّم جيدًا مخاوف تركيا الأمنية ونتفهّم أن عملية خاصة (في سوريا) قد تكون ضرورية»، في موقف غير معتاد من طهران التي تعلن تقليدياً رفضها لأي عمليات عسكرية تستهدف «وحدة وسيادة الأراضي السورية».
والسبت، وعلى هامش زيارته إلى طهران، دعا الوزير الإيراني إلى إجراء حوار بين مسؤولين أمنيين أتراك وسوريين، مطلقاً تصريحات من دمشق تتعارض مع ما قاله في أنقرة حيث قال: «إيران تعتبر أي تدخل أجنبي أمراً غير صائب وغير صحيح وهو عنصر يعقد الأوضاع»، مؤكدا معارضة طهران لأي «عمل عسكري خارجي في سوريا»، وتابع: «نحن نتفهم قلق ومخاوف الحكومة التركية بشأن القضايا الحدودية الخاصة بها، ونعتبر أن أي إجراء عسكري في سوريا هو عامل مزعزع للأمن في المنطقة».
وفي حديث لصحيفة الوطن المقربة من النظام السوري، عقّب الوزير الإيراني على إمكانية لعب دور الوسيط بين دمشق وأنقرة بالقول: «نحن أعلنا عن استعدادنا التام لتقديم حل سياسي والمساعدة في هذا المجال، وسنبذل قصارى جهدنا للحيلولة دون حدوث عملية عسكرية والتركيز على حل سياسي في هذا الأمر، ونحن متفائلون في هذا الأمر، ونسعى لأن تحل كلا الدولتين الجارتين سوريا وتركيا هذا الأمر عبر الطرق الدبلوماسية وعبر الحوار».
وأضاف عبد اللهيان: «قبل عدة أيام كان لدي زيارة لأنقرة وتحدثت هناك للمسؤولين الأتراك، وأكدت أن الحل يكمن بإجراء حوار بين المسؤولين الأمنيين في تركيا وسوريا، ومن خلال حديثي مع المسؤولين الأتراك فهمت أن الأتراك يضعون الحل السياسي كأولوية بالنسبة لهم، واليوم أيضاً من خلال زيارتي لدمشق تحدثت مع المسؤولين السوريين وأكدت لهم أن إيران ستبذل جهودها من أجل الحيلولة دون وقوع نزاع عسكري في سوريا والتركيز على حل سياسي هنا، ونحن نعارض أي إجراء عسكري يأتي تحت أي مبرر في سوريا».
وعلى الرغم من أن أنقرة لم تعقب رسمياً على تصريحات الوزير الإيراني، إلا أن المتحدث باسم الرئاسة التركية كان قد نفى قد قبل أيام بشكل مطلق أن تكون هناك أي اتصالات أو مساعي لإعادة تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري على غرار ما فعلت أنقرة مع الإمارات والسعودية ومصر وأرمينيا وغيرها من الدول.
وأوضح إبراهيم قالن أن الاتصالات تجري مع النظام السوري على مستوى الاستخبارات فقط، معتبراً أن «هذه الاتصالات ضرورية لإدارة التطورات على الأرض ولا يوجد أي خطة لإعادة تطبيع العلاقات».
لا إشارات من تركيا
ولم تصدر أي إشارات من تركيا لتحول في الموقف اتجاه النظام السوري، وعلى الرغم من تفاعل ملف اللاجئين بشكل غير مسبوق قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في تركيا، إلا أن مسؤولين أتراكاً تحدثوا بشكل واضح عن أن التقارب مع النظام السوري لا يمكن أن يحل مشكلة اللاجئين الفارين من بطش النظام وجرائمه، معتبرين أن الأولوية للحل السياسي الداخلي الذي يعتبر الوحيد القادر على اقناع السوريين بالعودة ولو جزئياً. وبالتالي ترى أنقرة الحل لمسألة اللاجئين في توسيع المناطق الآمنة عبر عملية عسكرية جديدة وليس من خلال التقارب مع النظام السوري.
وبينما يمكن استبعاد وجود وساطة إيرانية لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، يعتقد أن طهران تسعى للعب دور ما لتجنب وقوع عملية عسكرية تركية جديدة في شمالي سوريا، وذلك من خلال تقديم ضمانات ما للجانب التركي يعتقد أنها تتعلق بالدرجة الأولى في تعهد النظام السوري بتولي مهمة طرد الوحدات الكردية من منطقتي تل رفعت ومنبج وهي المناطق التي يعتقد أن الهدف الأول للعملية العسكرية التي يهدد المسؤولين الأتراك بتنفيذها.
أنقرة لا تثق: مسرحيات
وأنقرة لا تثق بالتعهدات الإيرانية والسورية في هذا الإطار، واتهمت سابقاً النظام السوري مراراً بالتغطية على انتشار الوحدات الكردية في كثير من المناطق، ووصفت إعلانات سابقة للنظام السوري بالسيطرة على مناطق كانت تسيطر عليها الوحدات الكردية بـ»المسرحيات»، ولم يثنها ذلك عن تنفيذ العمليات العســـكرية الســابقة.
ولا يقل أهمية، إن هدف العملية العسكرية التركية المتوقعة يتمثل في الدرجة الأولى في حماية المناطق الآمنة وتوسيعها وبدرجة ثانية الحرب على الوحدات الكردية بشكل عام، وبالتالي فإن تعهدات النظام بطرد الوحدات الكردية يعتقد أنها لن تكون كافية لثني أنقرة عن تنفيذ العملية التي يتمثل هدفها الأول في توسيع المناطق الآمنة وفتح الباب أمام عودة أعداد أكبر من اللاجئين السوريين قبيل موعد الانتخابات الحاسمة المقبلة التي يلعب فيها ملف اللاجئين دوراً محورياً وحساساً للغاية.
المصدر: «القدس العربي»