شرعية خطة وزيرة الداخلية بريتي باتل قد تنتهي في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. لم يكد الحبر يجف بعد إدخال التعديلات الجديدة على قانون “الجنسية والحدود” لعام 2022، في أبريل (نيسان) الماضي، حتى تعرقلت عملية تنفيذ القانون بعد انتقاله إلى المحكمة العليا البريطانية للمراجعة القانونية.
أطلق عليهم ما شئت، “ناشطين يساريين” أو “محامين يقومون بعملهم” فهم نجحوا على الأقل مؤقتاً في تأخير إقلاع الطائرة الأولى التي تحمل طالبي لجوء لنقلهم إلى رواندا في أفريقيا.
وتعتبر هذه السياسة خارجة عن المألوف ويجادل كثيرون بأنها تفتقد للإنسانية، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يتم تحديها في المحاكم. بموازاة ذلك لن يكون مستغرباً أن نرى وزيرة الداخلية تشتاط غضباً وأن يتحول المسار القضائي إلى مادة دسمة في عناوين أخبار الصحف البريطانية. وإن كانت هذه السياسة هدفها إجرائي قد تم تصميمها لتأجيج “حرب ثقافية” كما يدعي منتقدو تلك القوانين، فهي إذا قد حققت هدفها.
إن أسس المراجعة القانونية المطروحة مختلفة بهذا الشأن. فهناك طريقان للتحرك بما فيها خط لمراجعة القانون تطرحه إحدى النقابات العمالية التي يجبر أعضاؤها حالياً على التعهد بالعمل بشكل يتعارض وضميرهم [المهني]، فيما تتمحور أسس المراجعات الأخرى على التأكد إذا كان يمكن اعتبار رواندا فعلاً بلداً “آمناً” أم لا، لكن الجانب الأكثر شائكاً هو معرفة إذا ما كان هذا القانون الجديد يتعارض مع تشريعات حقوق الإنسان. ونقصد هنا التشريع المحلي- ويتمثل بقانون حقوق الإنسان لعام 1998 HRA، والذي تسعى الحكومة البريطانية لإبطاله- وكذلك القانون الدولي المتمثل بالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1951 ECHR. فقانون حقوق الإنسان [البريطاني]، هو في الواقع “النسخة” البريطانية المحلية عن المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكان قد تم اعتماد القانون للسماح بالنظر في قضايا حقوق الإنسان في المحاكم البريطانية بدلاً من أن ينظر فيها في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في مدينة ستراسبورغ الفرنسية. والاثنان لا علاقة لهما بالاتحاد الأوروبي، الذي لديه ميثاقه الخاص لحماية حقوق الإنسان.
تماماً كما هو الوضع مع النقاشات حول ما إذا يمكن للمملكة المتحدة وبشكل أحادي عبر إصدار قانون برلماني أن تنسحب من بروتوكول إيرلندا الشمالية في اتفاق “بريكست” بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، والذي هو جزء من معاهدة دولية. نقاشات مماثلة ستثير سؤالاً حول ما إذا كان قانون “الجنسية والحدود” لعام 2022 يتجاوز بشكل ما قانون حقوق الإنسان البريطاني، أو/و المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.
في هذه الأثناء، وعبر الاستئناف القضائي، ستنتهي المسألة في المحكمة العليا البريطانية، وهناك بعض المؤشرات أنها قد تحكم لصالح الحكومة. وحينها إذا انتقل النظر في القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، فهناك فرص حينها بأن تخسر الحكومة البريطانية القضية. وعندها سترتفع الأصوات المطالبة بانسحاب المملكة المتحدة من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. وهذا سينظر إليه بشيء من الرعب والخوف من العار من قبل كثيرين بخاصة أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ولدت من رحم محرقة اليهود والفظائع التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية، وكان البريطانيون من المحركين الرئيسين وراء تشكيلها، بخاصة أن المملكة المتحدة كانت أول الدول التي صادقت على المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان وذلك قبل 70 عاماً. والتزمت بريطانيا دوماً أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وإن على مضض.
ستأخذ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في الاعتبار رأي المحكمة العليا البريطانية. هناك خلط عام بأن المحكمة العليا البريطانية هي مرتع لليساريين الليبراليين “الذين يحنون للبقاء في أوروبا” لأنها أسقطت القرار الذي كان بوريس جونسون قد اتخذه بإغلاق البرلمان في عام 2019، وحينها كانت المحكمة برئاسة الليدي [بريندا] هايل. في الواقع قامت المحكمة في حينه بالحكم في القضية على أرضية قانونية ضيقة من القانون الدستوري البريطاني والإجابة عن سؤال محدد إذا ما كانت النصيحة التي قدمتها حكومة جونسون لملكة بريطانيا قانونية أم لا. وهي لم تكن كذلك، ذلك الحكم لا يمكنه أن يقوم كدليل على المحكمة العليا هي “ليبرالية” أم “حركية” [مناصرة للقضايا الاجتماعية] بشكل مشابه لمثيلتها الأميركية والتي تحتل مكانة مختلفة في فضاء توزيع القوى بين المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة الأميركية. المحكمة العليا كانت تقوم بوظيفتها تماماً كما يقوم المحامون والمرافعون عادة بتمثيل موكليهم أمام المحاكم.
في كل الأحوال، فإن رئيس المحكمة العليا الحالي اللورد [روبرت] رييد من أليرمويرLord Reed of Allermuir، كان قد أوضح أكثر من مرة أنه ليس مهتماً كثيراً بنقض القوانين التي يعدها البرلمان بشكل جيد. ومثال على ذلك قوله للجنة الدستورية البرلمانية الشهر الماضي “لقد وضعنا إطاراً… لتوجيهات واضحة للغاية حول كيفية تنفيذ القوانين التي يصدرها البرلمان. وهذا شكل من أشكال سيادة [النظام] البرلماني. فالحكومة بالطبع هي من تدخل في معاهدات، والحكومة هي التي تنشئ القانون الدولي عبر اتفاقات تلتزم بها مع دول أخرى. فوفق مفهوم السيادة البرلمانية، لا يجوز للحكومة أن تعدل الحقوق والواجبات على المستوى المحلي بقرار منها [الاتفاق الدولي لا يجوز أن يعارض القوانين المحلية]. فعلى الحكومة أن تمرر مثل هذه الرغبات على البرلمان كي يقوم بتشريعها، ولذلك فإن القرارات البرلمانية في هذا السياق هي أساسية لذلك والمعاهدات وحدها لا تعدل القوانين أبداً. وعندما أقول “أبداً” قد يعد ذلك مبالغاً فيه نوعاً ما، فهناك محدودية للفاعلية التي يمكن لأي معاهدة أن تضمنها ولكنه لا يمكنها أن تتخطى القوانين والتشريعات الصادرة عن البرلمان”.
إن الإيجابية الوحيدة من كل ذلك هو أن مصير اللاجئين ومعاناتهم في طريقهم إلى رواندا ستكون طريقاً تعترضها إجراءات قانونية ومواقف سياسية وستكون محل تجاذب إعلامي يتم تقاذفهم فيها كالكرة لأشهر كثيرة مقبلة، بشكل يبقي على قضية الهجرة ضمن الأولويات السياسية في البلاد، ولكن من شأن ذلك أنه لا يكون له أثر ولو ضعيف جداً مباشر على أوضاع اللاجئين الوافدين إلى بريطانيا عبر القنال الإنجليزية.
*نشر المقال في “اندبندنت” بتاريخ 10 يونيو 2022
المصدر: اندبندنت عربية