حزب العمال الكردستاني والعلاقة الملتبسة مع إيران وأميركا

علي تمي

العلاقة مع واشنطن:

منذ 2014 تستخدم واشنطن منظومة حزب العمال الكردستاني لصالح أجنداتها الخاصة داخل سوريا نيابة عن إيران التي تتحكم بها منذ 40 عاماً عن طريق لاعبين مكلفين بهذا الملف في دمشق.

الكثيرون يعتقدون أن واشنطن وجدت على طبق من ذهب سلاحاً في الميدان، تستخدمه تارةً للتخلص من فئة الراديكاليين (الإسلام السياسي) وضرب الحاضنة الشعبية لها، وتارةً أخرى لابتزاز أنقرة كعصا غليظة وردعها كلما فكرت بالخروج من المربّع الأميركي المرسوم من حولها، الكل استفاد من خدمات “العمال الكردستاني” ولو على حساب معاناة الشعب الكردي في سوريا والعراق وحتى داخل تركيا، لكن يجب أن نأخذ بعض الأمور بعين الاعتبار، الحزب المذكور استفاد من التناقضات القائمة، ومنها:

– بناء علاقة ثقة وتبادل للمعلومات مع القوى الدولية والإقليمية من خلال الحرب على داعش، وهذا ما كان يفتقده هذا الحزب طوال العقود الماضية..

– الوصول إلى مراكز القرار الدولي والاحتكاك معهم عن طريق زياراتهم المتكررة إلى شرق الفرات، ونقل الآلاف من قطع السلاح المتطور الخاص بإسقاط طائرات الهليكوبتر إلى جبال (قنديل) مستغلين محاربة داعش وتحت أنظار القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق، فضلاً عن الأموال الأوروبية والخليجية الضخمة التي منحت لهذا الحزب تحت عناوين الحرب على داعش.

– حوّلت المناطق الكوردية في سوريا والعراق إلى مستودع خاص بها لتجنيد القاصرين والقاصرات، وهي موثقة لدى المنظمات الدولية دون أن يُحرّك أحد ساكناً، ونقلهم إلى جبال “قنديل” وعلى دفعات لتجنيدهم واستخدامهم في المراحل المقبلة.

من خلال هذا السرد يصل المرء إلى فرضية مفادها أن تنظيم داعش لم يكن مستنقعاً لاستنزاف المنطقة وتهجير الملايين منها فحسب، بل لإفراغ الساحة من القوى الوطنية المعتدلة أيضاً حتى يتسنى للاعبين الكبار هندسة خرائط جديدة وفق مصالحها الجيوسياسية وكل ذلك بناءً على رغبة تل أبيب وأطماعها التوسعية في سوريا.

معركة شد الحبال بين واشنطن وأنقرة داخل سوريا:

واشنطن قلقة هذه الأيام بسبب تدخُل عسكري تركي جديد (محتمل) في شرق الفرات، هذا القلق يبدو نابعاً من تعاظم قوة أنقرة العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط وتمددها في أذربيجان وشمال أفريقيا.

تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية هدمت الجدار الغربي، أخرجتها من الوصاية الأميركية ولو نسبياً، وتحوّلت اليوم إلى دولة صاعدة في الشرق الأوسط، تنافس تل أبيب وطهران على توسيع نفوذها في المنطقة، يبدو أن هذا التوجّه يدفع بواشنطن إلى أن تكون قلقة! ولو كانت تهمها مصالح السوريين لما تمكن النظام في دمشق من تهجير 10 ملايين سوري من ديارهم، وتصفية عشرات الآلاف في سجونه رغم توثيقهم بالأسماء من خلال المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، ولقامت بإيجاد حلول توافقية بين القوى السياسية في شرق الفرات، ومهّدت لعودة الآلاف من المهجرين إلى مناطقهم وقراهم.

في الضفة الأخرى، يرى الجميع أن طهران باتت تتمدد يوماً بعد يوم، وتوسع من نفوذها في الشرق الأوسط، حيث تحوّلت تحت غطاء أميركي إلى لاعب قوي في المنطقة، تستهدف المملكة العربية السعودية عن طريق جماعة الحوثيين، وتشارك في صنع القرار في العراق، وتهيمن على مراكز القرار في  لبنان وسوريا، كل هذه الامتيازات لن تحصل عليها طهران مالم تكن واشنطن راضية عن دورها لتنفيذ خطط بعيدة المدى، يصعب على عقل أي إنسان شرقي الوصول إليها في الوقت الحالي أو استيعابه على أقل تقدير.

ما العلاقة بين الرفض الإيراني والقلق الأميركي؟

الإيرانيون، يسيطرون اليوم على القرار السياسي والعسكري في دمشق، وهذا لا جدال عليه، لكن هناك من يتساءل؟ هل هناك توزيع للأدوار؟ الجواب نعم، بُعيد التحشدات التركية وإعلان رئيسها عن هجوم جديد ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شرق الفرات، أعلنت واشنطن على الفور عن قلقها، السر يكمن في ذلك، قيام موسكو بإجراء دوريات عسكرية وبشكل يومي داخل الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، وإعلان طهران عن رفضها لهذا التدخل، وهذا إن دل فإنما يدل على التوافق بين اللاعبين لكبح جماح أنقرة ومنعها من التوسع ومهما كلف الأمر إلا إذا دفعت المقابل وثمن تدخلها، وهذا ما تطالب به موسكو على الدوام بعد انزلاقها إلى المستنقع الأوكراني. الخطأ القاتل الذي ارتكبته وترتكبه فصائل المعارضة في الشمال السوري هو السماح بحدوث انتهاكات ممنهجة بحق المدنيين، وتحوّل معظم قادة الفصائل إلى أمراء حرب وبالتالي تفريغ هؤلاء من محتواهم السياسي وفقدان الثقة من عامة الناس بوجودهم وسلاحهم.

هذه الممارسات والانتهاكات، وخاصة في عفرين ورأس العين منحت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” قوة إضافية ورفعت من أسهمها بين الناس وحتى دولياً، ليس (حباً  بـ علي بل كرهاً بـ معاوية)، ولا شك أن المنظمات الدولية نشطة ومهتمة بموضوع الانتهاكات في شرق الفرات والشمال السوري، وبالتالي تضع أنقرة في موقف محرج أمام المجتمع الدولي، وبات مطلوباً إعادة النظر وإخلاء القرى والمدن التي تسيطر عليها فصائل المعارضة من العسكر والاعتماد على إدارة مدنية من أهالي المنطقة حتى يتم إغلاق الطريق أمام الباحثين عن استغلال الفرص.

دور موسكو الوظيفي في سوريا:

بات واضحاً أن موسكو تتحرّك عسكرياً داخل سوريا بالتنسيق المباشر مع واشنطن بغضّ النظر عمّا يجري حالياً داخل أوكرانيا، كما أنهما متفقتان على الفصل بين الملفين السوري والأوكراني، وهذا ما أكده المبعوث الأميركي مراراً وتكراراً خلال لقاءاته مع القوى الكردية في شرق الفرات، يبدو أن الأطراف الثلاثة تتشارك في دعم وجود كوادر حزب العمال الكردستاني في شرق الفرات خدمة لمشروع التقسيم داخل سوريا، وتواطؤ دمشق مع هذا التوجه لصالح المشروع الغربي. بات واضحاً للقاصي والداني والذي من الممكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى الإعلان عن “دويلة” شرق الفرات، بينما في الضفة الغربية يجد إقليم كوردستان نفسه اليوم وحيداً في مواجهة الصواريخ الإيرانية، وما إيقاف هجوم الجيش العراقي على “شنكال” لإخراج عناصر حزب العمال الكردستاني من المنطقة إلا بناء على توجيهات (إيرانية – أميركية) مشتركة لحكومة بغداد بضرورة وقف الهجوم لحسابات لا يفهمها إلا “حيتان” البيت الأبيض.

يبدو أن الكثيرين لديهم مصلحة أن يكون ممر نقل الأسلحة من سوريا إلى جبال “قنديل” مفتوحاً، لسبب واحد هو لتقوية المنظومة الدفاعية للحزب المذكور واستخدام هذه الورقة ضد أربيل عند الضرورة، ولابتزاز أنقرة عند الحاجة، ولا يخفى على أحد أن التنسيق المشترك ما بين أربيل وأنقرة نابع من مصالح جيوسياسية ورؤية سياسية بعيدة المدى.

الخلاصة:

إن واشنطن وطهران تتلاعبان بحزب العمال الكردستاني لاستخدامه ضد أنقرة في مرحلة ما، وأربيل محاصرة اليوم رغم وجود القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، وبات واضحاً أن اللاعبين الكبار انقسموا داخل سوريا إلى محورين، واشنطن وطهران وموسكو متفقون وعلى طريقة (عدو عدوك صديقك) وفي الضفة الأخرى، تجد أنقرة وأربيل والدوحة أنفسها داخل خندق واحد، ومن المحتمل أن تنضم الرياض وأبوظبي إلى هذا المحور لاحقاً بسبب التخاذل الأميركي في ملف جماعة الحوثيين، وجميع هؤلاء يجمعهم عدو واحد ومصالح سياسية مشتركة، لهذا السبب جاء الفرز بشكل أفقي.

بالمحصلة، حزب العمال الكردستاني بات يرقص اليوم على أنغام المزمار الإيراني، لأنه إلى جانب حزب الله اللبناني، وحركة أمل، والاتحاد الوطني الكردستاني، وجماعة الحوثي جميعهم جزء لا يتجزأ من منظومة الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، وبالتالي مشروع هذه المنظومة داخل سوريا هو وظيفي لا أكثر، بينما  واشنطن وموسكو تستخدمان هذه (الأفاعي) في المنطقة لإجبار أنقرة على التنازل وردعها من الوصول إلى 2023 ولوقف التطور والتنمية داخل إقليم كوردستان وإثارة الفوضى داخل العراق وسوريا برمتها، والهدف هو إدارة الأزمات بدلاً من حلها.

في الختام يقول “كيسنجر” وزير الخارجية الأميركي الأسبق وخبير استشاري جيوسياسي: “إنه ليس من مصلحة أميركا أن تحل أي مشكلة في العالم لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط اللعبة وتحركها بحسب المصلحة القومية الأميركية”.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى