امنحوني وقتًا لأصنع لكم من العميان عباقرة، هذا الحديث ليس زهوًا ولا تفاخرًا، بقدر ما هو واقع متحقق بالقوة، ويحتاج لمختبر لتراه الجماهير بالفعل.
سعيت أن أكون معلمًا للموهوبين، وحينما تعذر عليّ بلوغ المرام، حلّقت بهذه الأمنية مستهدفًا جميع أحبتي الطلبة، فهم كالزهور وأنا أتقمص دور الفراشة التي تحلّق في روائع البستان، فكل طالب يمتلك موهبة من نوع ما، وهي نظرية سبقنا لها عالم النفس هاورد غاردنر عام 1983م، التي تتبنى وجود العديد من الذكاءات، أتخطر أني أطلقت برنامجًا صيفيًا يستهدف الصغار اسمه (أبناؤنا أذكياء)، ليفاجأني في أيام التسجيل أحد أولياء الأمور معترضًا: “لكن ابني ليس ذكيًا!!”، بالفعل لن يكون ذكيًا إذا غرسنا فيه إبرة الغباء، كالنسر الذي ظل دجاجة حين استمع لاحباط رواد القن!!
حديثنا لا يرتبط بتربية الأبناء وتنمية مهارات الطلبة، بل حديث عن عباقرة أحياء يعيشون معنا وحولنا، وهم فريق العميان، أكاد أجزم بصحة مدعاي، فأقول: “أعطني أعمى أمنحك عبقريًّا يدهشك”، لدي اعتقاد أن العميان يولدون عباقرة، قد يجهل المعترض نقطة العبقرية فيه إلا أنها مندثرة في خلجاته ولا تحتاج إلا لمكتشف ليخرجها للنور.
تصفحت حياة العديد من العميان ولم أتعجب حين لمست العبقرية تسري في دمائهم، ولعلي أشاطر الناقد العراقي (عبدالله إبراهيم)، المتولع بثقافة العميان، حيث صدح بشقشقته الكتابية، ليسفر عن سفره الجميل: (عين الشمس: ثنائية الإبصار والعمى من هوميروس إلى بورخيس)، في كتابه هذا يتناول العديد من العميان المثقفين، والعباقرة الأكفاء كأمثال: ابن سيده، والرازي، والعكبري، والآمدي، وأبي العلاء، وطه حسين، وسواهم.
ليس إدعاءً لو أطلقنا على عالم العميان، عالم (أسطورة الإبداع)، فلكل رجل أعمى أسطورة، هل سمعنا عن (هيلين كيلر) الصماء العمياء التي حصلت على الدكتوراه في العلوم والفلسفة؟، هل نعجب من توماس ويغينز المعروف باسم (توم الأعمى)؟، الذي رغم كونه كفيفًا إلا أنه أبهر الجميع بروعه عزفه على أصابع البيانو، حتمًا ستنتهي الصفحات ونحن نعدد العباقرة الأضراء، إن حلمي أن أجمع العميان في حلقة لأتعلم منهم الإبداع، فلماذا لا نكوّن لهم نادي العباقرة؟!