يبدو من خلال الجولات المكوكية التي يقوم بها المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسن، إلى عواصم الدول الفاعلة في القضية السورية، وطرحه مقترح خطوة بخطوة، الذي يمثل خروجاً عن المسار الأممي للحل، وعن دوره نفسه ميسراً للتفاوض بين النظام والمعارضة، وكأن ثمة دوراً مشبوهاً يقوم به المبعوث الأممي ينحاز إلى مواقف النظام وحلفائه في القضية السورية.
ومن شأن ذلك أن يفضي بالنهاية إلى إعادة تأهيل النظام سياسياً، وفرضه ليس كطرف رئيسي في الحل وحسب، وإنما إعادة تأهيله ليكون هو الحل، مع بعض الترقيعات البسيطة في هيكلة بعض مؤسساته، وتطعيمها بعناصر من المعارضة ممن يقبلون بالرؤية الروسية للحلّ.
بيدرسن تجاهل رفض المعارضة الصريح لمبدأ خطوة بخطوة “الذي يقوم على إعطاء محفزات للنظام، مقابل إحراز تقدم في العملية السياسية”.
كما تجاهل اعتراضها على محور عمله في مسار اللجنة الدستورية، التي لم يعد يعترف بها النظام أصلاً، ويتعامل معها على أنها لجنة لبحث تعديلات على دستور 2012 الذي أقر من قبله، ويمضي في مساعيه لإقناع النظام وحلفائه بخطة خطوة مقابل خطوة.
علماً أنّ هذه الخطة ليست من مهام المبعوث الأممي. وهي مقاربة تُعدّ سابقة في عمل الأمم المتحدة، تقوم على تحفيز المتهم بجرائم من قبل لجانها وهيئاتها، من أجل القبول بتحقيق تقدم في مسار سياسي يقوم على قرار لمجلس الأمن، في الوقت الذي ما زال النظام يرفضه علناً.
وقد جعل هذا الأمر من تحركات المبعوث الأممي، ومواقفه المعلنة من العملية السياسية تبدو كأنّها محاباة للنظام، على حساب إفشال مسار الحل السياسي الواضح، واستبداله بمسار آخر غير معروف النتائج. وهو على الأقل يساعد النظام في تحقيق أحد أهم أهدافه، وهو كسب المزيد من الوقت.
إلا أن طبيعة عمل بيدرسن كمبعوث أممي، لا تعكس في الواقع موقفه من القضية السورية، بقدر ما تعكس محصلة الواقع الدولي تجاهها.
وبالتالي فإن تحركات ومواقف بيدرسن إنما تعبر عن عدم توفر إرادة دولية حتى اللحظة، لإيجاد حلّ سياسي عادل للقضية السورية. وتعكس تسليم الدول الفاعلة فيها مجمل الملف السوري لروسيا، التي تأخذ الحلّ باتجاه إعادة إنتاج النظام.
المصدر: العربي الجديد