ثمة علاقة مضطربة في الواقع السوري بين الدين والسياسة في هذا الاتساع، فمنذ استلام حافظ الأسد الأب الحكم بانقلاب ابتلعت السياسة فيه الدين، وأصبحت المؤسسة الدينية والعلماء ومفتي الجمهورية يتم توجيههم من خلال السياسة وتعمل تلك المؤسسات على تبرير وشرعنة كل الأفعال السياسية القمعية وحتى الإجرامية فحتى العَلمانية التي يدّعيها النظام السوري والتي تفصل الدين عن السياسية ليست موجودة في سورية، بل السياسة تسخّر الدين لخدمة مآربها، ومن يعصي الأوامر يكون جزاؤه التنكيل.
وبعد انتفاضة الشعب السوري في ثورة الحرية والكرامة أواسط آذار / مارس 2011م بحراك ديمقراطي حضاري، لم يعجب النظام بل أزعجه وسعى لشيطنته وسعت الجماعات الدينية لابتلاع السياسة، فبقيت العلاقة كفصلي الصيف والشتاء في الشدة والتناقض في العلاقة، وغاب الاعتدال الربيعي في العلاقة، وبنفس الوقت بقيت السياسة لدى النظام تبتلع الدين، وخارج سيطرة النظام بقيت آراء حادة بين الفصل بين الدين والسياسة وابتلاع السياسة وبقي الاعتدال الربيعي هو الصوت البسيط بين الأصوات.
وهنا لابد أن نؤكد أنه ليس هناك في التعاليم الإسلامية دولة دينية وإنما كان هذا سمة الفرس وبعض الهنود والفراعنة وإيران اليوم، وليس هناك نموذج حكم محدد، بل هناك قيم تحض عليها التعاليم الإسلامية.
كما يجب أن نعرف أن الدين هو العامل المهم جدًا في المجتمعات -سواء في السابق أو في المستقبل- وله التأثير على الناس، ولا بدّ أن تُناقش قضية الدين والدولة بين الفينة والأخرى، لأنها العامل الأساس في المجتمعات فما لا تُشبعه نقاشاً وإقناعاً يكون السبيل الآخر عنفاً واستفزازاً، وهنا لا أريد أن أقول إن الأمر يرتبط بالدين الإسلامي فقط، بل بجميع الأديان: السماوية وغير السماوية، وبهذه الحالة يتحقق الاعتدال الربيعي والمنطقي بين الناس، ولا يحصل ابتزاز للدين من قبل السياسة ولا العكس، ولاسيما أن هناك ديانات وأيديولوجيات مختلفة في الواقع السوري، فحالة الديمقراطية واحترام قيم الناس والقيم العامة للمجتمع وهويته ومقدساته أمر مهم للاعتدال دون أن يحصل ابتزاز للدين، بل تخليص الدين من استغلال وابتزاز السياسة أمر مهم.
فنحن أمام واقع كثيراً ما يُوضع فيه قناع الدين على الوجه القبيح للسياسة لتبرير الأفعال، ولهذا نحتاج إلى الحفاظ على قدسية الدين وألا يكون أي مبرر للتغطية على السياسة وتحسينها وشرعنتها، وكذلك تعزيز السياسة التي تحترم الدين وقدسيته وهوية المجتمع وقيمه، وهذا الذي يحقق الاعتدال الربيعي المعتدل ومن ثم تخف مبررات العنف واستغلال السياسة في الدين.
المصدر: اشراق