غياب الاعتدال السنّي لمصلحة إيران في لبنان وسورية والعراق

رندة تقي الدين

يُعلن رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري اليوم تنحيّه المرحلي ويترك مؤيديه محبطين والطائفة السنيّة من دون زعيم. تبدو القضية وكأنها تطوّر مشابه لما يحدث في كل من سوريا ولبنان والعراق، أي تراجع الوجود والنفوذ السنيّ لمصلحة هيمنة إيران و”حزب الله” في المنطقة بأسرها. فمنذ ثورة الخميني في عام 1979 والثورة الإيرانية تعزز قبضتها على المنطقة وتواصل تصديرها إلى كل دولها، وتنفذ ذلك عبر حلفائها على الأرض. كما أن حرب بشار الأسد على شعبه قتلت وهجرت الملايين من السنّة السوريين، وصار الملايين منهم لاجئين في لبنان والأردن وتركيا.

الجميع يعرف أن عودة اللاجئين لن تكون آمنة الى بلدهم. حتى الحليف الروسي للأسد لا يملك أي إجابة حين يُسأل عن إمكان أن يعودوا بضمانات لأمنهم. فهل هم محكومون بالبقاء لاجئين في لبنان والأردن وتركيا؟ إيران دخلت على الأرض في سوريا وتغلغلت في مدن كثيرة أفرغها نظام بشار الأسد وساهم في الوقت نفسه في دفع مناطق عدة إلى اعتناق المذهب الشيعي. أما في لبنان، فيبدو أن تراجع اهتمام دول الخليج في أوضاعه يشجع استمرار ومضاعفة الهيمنة الإيرانية عبر “حزب الله” على البلد.

في حال أجريت الانتخابات التشريعية في لبنان خلال أيار (مايو) المقبل واكتسح “حزب الله” مجدداً مع حلفائه العونيين أكثرية المقاعد، فإن لا أمل في تغيير الوضع وإظهار صورة جديدة. سيبقى الحزب التابع لإيران مهيمناً ويبقى ممسكاً في يده قرار الحرب والسلم وتعيين الرؤساء والوزراء وسيتصدى في شكل دائم لشروط صندوق النقد الدولي وطلباته في ما يتعلق بالشفافية والكشف عن كل مداخيل مرافق الدولة. إن قرار تنحي سعد الحريري، شئنا أم أبينا، له تداعيات خطيرة لأنه يؤدي إلى تكريس قرار خليجي لا عودة عنه وهو التخلي عن لبنان.

زيارة وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح إلى لبنان ما كانت لتحصل لو لم تكن منسقة مع مجلس التعاون الخليجي، وهدفها كان توجيه رسالة شديدة اللهجة للمسوؤلين اللبنانيين، تقول إن الخلاف معهم لا يقتصر على ما يصدر في الإعلام ولكن على ادّعائهم النأي بالنفس عن “حزب الله” الممثل في الحكومة والذي ينظم مؤتمرات ضد السعودية والبحرين ويدعم الحوثيين ويدربهم في اليمن، فكيف تساعد دول الخليج أعداءها في حكومة لبنان؟ هو موقف طبيعي ومفهوم ويستند إلى حجج واضحة لكن نتائجه على البلد كارثية.

لبنان ترك الوصاية الإيرانية وأدى ذلك إلى عدم التوازن والاختلال في النفوذ السياسي والعسكري في البلد، والذي ازداد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وسيتضاعف مع مغادرة وريثه على الساحة السنّية اللبنانية. كما أن ما يسمى بـ”الثوار” في لبنان لم ينجحوا في إنشاء فريق متجانس قادر على الاستقطاب وتكريس تمثيل بديل للزعماء الذين ينبذونهم. فالخلل في التوازن لمصلحة “حزب الله” وحلفائه وتشتد القبضة الإيرانية على البلد.

إيران تهيمن على سوريا بشار الأسد الذي لها دين كبير عليه، وهو لن يتخلى عنها يوماً بعكس ما تعتقد بعض الدول العربية. كما أن النفوذ الإيراني يتوسع في العراق رغم الانقسامات داخل التيارات الشيعية في هذا البلد. لكن القرار العراقي النهائي بالنسبة إلى تعيين رئيس الحكومة وفي مجلس الوزراء نفسه عليه أن يأخذ في الاعتبار في شكل كبير الرغبات الإيرانية. أما طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قدمه لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بضرورة دعم السعودية للبنان وعدم ترك هذا البلد لهيمنة إيران، فينطلق من استشعاره بهذا الخطر. ويبدو أن المسعى الفرنسي مع السعودية لم ينجح حتى الآن إذ إن المملكة لم توجه بعد أي دعوة الى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لزيارتها.

اليوم يعلن سعد الحريري قراره، ترك السياسة. وللأسف إن البديل غير موجود والساحة اللبنانية المعتدلة ستترك لمصلحة إيران ووكيلها على الأرض “حزب الله”.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى