“الموت لأميركا”، “الموت لإسرائيل”، “اللعنة على اليهود”، و”النصر للإسلام”. تلك هي “الشعارات والأهداف الاستراتيجية” التي يشهرها مقاتلو الحوثيين على مدافع الـRPG. ولكن دعونا من هذا المزاح، ولنفكر.
حتى ينتصر الحوثي ما الذي يفترض أن يحصل؟ إنها المستحيلات!
فبحسب الخطاب الحوثي المحتقن، يفترض انتصار الحوثي أن تتحقق جملة شروط.
أولها أن ينصاع الشعب اليمني في الشمال والجنوب، وأن تستسلم القوى اليمنية الحية لمنطق الاستبداد والقوة ويبقى اليمن، أرض الحضارات في شرقنا، عصياً على التنمية والتقدم والازدهار ورهينة جماعة عقائدية أقلوية تبشر بجنة “عدن”، وفي انتظار ذلك، تشعل أرضه وبلاده جحيماً لا ينتهي. وهذه الحركة تتطلب أن يقبل اليمنيون بتكريس لحمهم ودمهم وقوداً لطموحات إيران الإقليمية، وأن يسلموا بولاية الفقيه لتقرر شؤونهم وحياتهم وزمن الحرب والسلام على أرضهم، وأن يقطعوا وشائجهم مع دول الخليج العربية، وأن يبقى اليمن ساحة أبدية للحرب الأهلية والإقليمية، لتكون طوراً حرباً كامنة، وطوراً آخر حرباً ملتهبة ووحشية. لقد صار مستحيلاً أن يحقق الحوثي طموحه في إخضاع الشعب اليمني، فلقد أشعلها حرباً لن ينطفئ لهيبها إلا بالتأسيس لدولة وطنية يمنية عربية ومستقلة، أساسها الانتماء الطوعي والتوافق الجمعي لكل اليمنيين.
يفترض انتصار الحوثي ثانياً، أن يتفكك التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن. وأن تتخاصم مكوّناته، وأن لا تنخرط بكل قواها في دعم وحدة الشرعية اليمنية. وأن تتقبل دول التحالف غطرسة إيران الإقليمية وبلطجتها في باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب، في البحر والجو والبر. وأن تحقق إيران انتصارها الكاسح، لتسلم دول التحالف بحق الحوثي ومن ورائه إيران بالعربدة.
يفترض انتصار الحوثي ثالثاً تسييد إيران إقليمياً. تسييدها على دول الخليج العربية، وأن تنتصر على إسرائيل، وأن تفرض هيمنتها على دول غرب البحر الأحمر لتصبح البلطجة الحوثية ذلك الشر الذي لا بد منه كما “حزب الله” في لبنان.
يفترض ذلك رابعاً، قبول بإدارة الحوثي مضيق باب المندب، وأن تقبل القوى الإقليمية والدولية بهيمنة إيران على الممرات البحرية في كل من البحر الأحمر وبحر العرب. ذلك أنه في عصر انفتاح الصراع بين الدول الكبرى على أمن البحار والمضائق، تحاول إيران أن تفرض نفسها على شعوب المنطقة كبلطجي وكوكيل ثانوي محاصص، تسلم له شؤون أمن الإقليم وخطوط التجارة العالمية.
مجمل هذه الأهداف مستحيلة وحمقاء! وتضر بالشعب الإيراني أولاً، ولكنها تجلب الويلات على المنطقة بأسرها. مفهوم أنها مستحيلة، ولكنها إجرامية، ليس تجاه الضحايا الأبرياء الذين تقتلهم، بل بسبب سعيها الى رسم مصير الشعب اليمني ليكون وقوداً في أتون حروب لا تنتهي وتودي بالبلاد وبمستقبلها.
رب من يقول إن تلك مجرد شعارات لحشد المقاتلين من عامة الناس وإقناعهم بالموت في سبيل أهداف الحوثيين. لكن أفعال إيران، بل حتى أفعال الحوثي تشير الى غير ذلك. إنها تشير بوضوح الى قناعة الحوثي وانخراطه الكامل في هذا التصور الإيراني الأفاق لمستقبل الإقليم.
وإلا فما هو مغزى العمل الإرهابي الذي تبناه الحوثي على خزانات الوقود في مطار أبو ظبي؟ لا معنى لهذا العمل الإرهابي إلا اختناق الحوثي بعد الانتصارات التي حققتها قوات التحالف من جهة، وتنمر إيران إقليمياً بالاستفادة من لحظة العطالة الدولية في سياق التفاوض حول الملف النووي. هذان التزاوج والخضوع التامان في الأهداف هما سمة السلوك الحوثي والإيراني.
لكن ثمة من ينفخ في هذا الضفدع الأحمق ليجعله يمضي أكثر فأكثر في انتفاخه على حساب أهل اليمن.
بالطبع، إيران أول النافخين في الحوثي، لكن ليس في يد إيران الكثير مما تقدمه لحماية الحوثي من التداعيات الإقليمية والدولية لعربدته الإجرامية. فثمة دول في الإقليم تقول وتدين ولا تفعل، والأهم من كل ذلك هو السعي الى تبرئة إيران من ارتكاباتها هذه.
البعض يكتفي بوصف هذا العمل بالاستفزازي، وليس كجريمة أو إرهاب، ولا توجه لإيران أصابع الاتهام أو حتى مناشدة أو تحميل للمسؤولية لوقف أعمال العدوان.
الأهم، هو ما جاء في تعليق مسؤول أميركي من أنه “لا يشتبه في تورط إيران مباشرة في هجوم يوم الاثنين”. لا شك في أن إيران ستقرأ هذا التصريح بارتياح كبير وبشكل مشجع جداً. لكن هذا التصريح، في المقابل، يقوّض الأسس القانونية والحقوقية والسياسية للدبلوماسية الأميركية ذاتها.
فإن كان تورط دولة ما في أعمال بلطجة وتخريب وإرهاب ضد بلد آخر، عبر دعم ميليشيات أو عصابات من المسلحين، لا يكفي لإدانتها واعتبارها مسؤولة عن الأعمال الإرهابية والعدوانية المرتكبة، فإن ذلك يقوّض مجمل الحجج والذرائع القانونية الأميركية التي طالما استخدمتها الولايات المتحدة كذريعة للكثير من نشاطاتها العسكرية.
فلقد هاجمت الولايات المتحدة أفغانستان والعراق والسودان، من دون أن تتورط أي من هذه الدول “مباشرةً” بالعدوان على الولايات المتحدة. بل إن هذا التصريح يقوّض حجة اغتيال قاسم سليماني طالما أنه لا دليل على التورط المباشر لإيران في الأعمال التي أدت الى قتل مئات الأميركيين.
بل إن الولايات المتحدة تتهم روسيا باحتلال أبخازيا ودونباس في أوكرانيا، رغم أن هذه الأعمال العسكرية تمت من قبل ميليشيات غير رسمية لا تتورط فيها روسيا مباشرةً. الخ…
يعبر هذا التصريح عن اضطراب عميق في صناعة السياسة الأميركية. إذ إنه مثال صارخ على الكيل بمكيالين في إقليم يفترض أن تبذل فيه الولايات المتحدة كل ما يمكن من أجل ترميم مصداقيتها.
أهم ما في هذا التصريح أنه يقوّض المنظومة القانونية المؤسسة للسياسة الأميركية، ويعطي إيران بطاقة بيضاء لتدعم “حزب الله” والحوثي و”الحشد الشعبي”.
هذا خطأ كبير ودوافعه صغيرة وقصيرة النظر. قد ينجح في المزيد من نفخ هذا الضفدع الحوثي، إلا أن الضفدع لن ينتهي إلا منفجراً في وجه أصحابه. لعل الأجدر في هذا السياق أن نتذكر سيرة “طالبان”.
المصدر: النهار العربي