غير بيدرسن بمرمى اتهامات المعارضة والنظام

أمين العاصي

تلاحق المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، اتهامات وانتقادات مزدوجة من المعارضة السورية والنظام، وهو ما يصعّب مهمته في ردم هوّة واسعة من الخلافات بين الجانبين، وبين الفاعلين الإقليميين والدوليين في الملف السوري.

ويتحرك بيدرسن هذه الأيام من أجل إنقاذ اللجنة الدستورية التي كانت شكلتها الأمم المتحدة لكتابة دستور جديد للبلاد، وفق ما نصت عليه القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، وأبرزها القرار الدولي 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل لتسوية سياسية للأزمة، والذي صدر أواخر عام 2015، ولم يتحقق أي من بنوده بسبب رفض النظام التعاطي الجدي معه.

وبعد العاصمة الإيرانية طهران، حط المبعوث الدولي أول من أمس الإثنين، في العاصمة القطرية الدوحة، حيث أجرى مباحثات مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حول مستجدات الأزمة السورية.

لكن الدعوة إلى جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي تضم ممثلين من النظام والمعارضة والمجتمع المدني من الجانبين، والتي تعد على رأس أولويات المبعوث الأممي، تصطدم بعراقيل عدة.

اتهامات لغير بيدرسن من المعارضة والنظام

وتُطالب المعارضة باستقالة بيدرسن لأنها تلمس تحيّزاً ما في مواقفه تجاه النظام السوري وداعميه الروس والإيرانيين، خصوصاً أنه لم يعلن حتى اللحظة أن النظام هو المسؤول الأول عن عرقلة التوصل إلى حل سياسي.

كما أثار بيدرسن أخيراً، غضب المعارضة السورية بعد تصريحات أدلى بها من العاصمة الإيرانية طهران، الأحد الماضي، وقال فيها إن الوضع في سورية “مستقر”، وإنه لا يتحدث أي من “الجماعات والأطراف السياسية، عن تغيير النظام في البلاد في ضوء الوضع الراهن”.

وأمس الثلاثاء، قال رئيس “الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة”، سالم المسلط، في مؤتمر صحافي في الدوحة، إن تصريح المبعوث الأممي حول أنه “لا يتحدث مع المعارضة عن تغيير النظام السوري، غير واقعي”.

وأضاف أن مشروع “الخطوة مقابل الخطوة” في المفاوضات، والذي كان طرحه بيدرسن أواخر العام الفائت “بهدف بناء الثقة”، “غامض ويحتاج للتوضيح”. وتابع أن “النظام يعطل الحل السياسي، وهو لم يتقدم خطوة واحدة منذ انطلاق المسار السياسي لحل الأزمة السورية”.

في المقابل، اتهم وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، أول من أمس الإثنين، المبعوث الأممي بـ”عدم الحيادية والموضوعية”، زاعماً أن بيدرسن “ميّال إلى وفد المعارضة” الذي وصفه بـ”الوفد التركي”، في تأكيد جديد على عدم اعتراف النظام بالمعارضة شريكاً في العملية السياسية.

كما زعم المقداد في تصريحات صحافية، أن بيدرسن “يتبنى مواقف وفد المعارضة في اجتماعات اللجنة الدستورية؛ سواء في تصريحاته أو في إحاطاته أمام مجلس الأمن”، متهماً إياه بـ”الترويج لفكرة أن الوفد الوطني السوري هو الذي يعرقل استئناف أعمال اللجنة”.

كما أكد المقداد رفض نظامه فكرة “الخطوة مقابل الخطوة” التي كان طرحها بيدرسن.

بيدرسن والقرار 2254

في السياق، وصف دبلوماسي منشق عن وزارة الخارجية في حكومة النظام، ويعمل في صفوف المعارضة، في حديث مع “العربي الجديد”، بيدرسن بـ”الزئبقي”، مضيفاً “يهمه فقط الاستمرار في مهمته من دون اعتبار للنتائج”.

وتابع: “كل تدليسه للعصابة (النظام) لم ينفعه، لأنها تريده عميلاً كاملاً وليس عميلاً جزئياً”.

وقال الدبلوماسي إن المهمة الموكلة لبيدرسن من الأمم المتحدة “تيسير تنفيذ القرار الدولي 2254″، موضحاً أن “المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا فتت القرار، وحوّله إلى سراب، ليجيء بيدرسن ويجعله في صالح النظام، لأنه يرى أنه الطرف الأقوى من خلال الدعم الروسي”.

وكان بيدرسن تولى مهمته كمبعوث أممي إلى سورية أواخر عام 2018، فصرف اهتمامه كله على سلّة واحدة من سلال سلفه التفاوضية الأربع وهي بحسب ترتيبها: الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب. إذ ركز بيدرسن على سلة اللجنة الدستورية، لأنه يرى أنها السلة الأسهل التي يمكن تحقيق تقدم فيها.

وقدمت المعارضة تنازلات سياسية، بتقديمها التفاوض حول الدستور على الانتقال السياسي، في إخلال بتراتبية القرار 2254، بعد ضغط إقليمي ودولي، إلا أن النظام قابل هذا الأمر بمزيد من التشدد.

في السياق، قال الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري”، أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “الحل في سورية يقيناً ليس بيد بيدرسن، فهو مجرد ميسّر”، مضيفاً أن “الملف السوري دُوّل وخرج من يد السوريين”.

وأشار القربي إلى أنه “يُفترض أن يكون أي مبعوث أممي حيادياً وموضوعياً، وعدم الرضا عن المبعوثين الأمميين، سواء من قبل النظام أو المعارضة، أمر طبيعي، لأن المبعوث الأممي يحاول أن يكون على مسافة واحدة من الطرفين”.

ست جولات من اللجنة الدستورية السورية بلا نتيجة

يذكر أنه عُقدت إلى الآن ست جولات من اجتماعات اللجنة الدستورية، من دون تحقيق اختراق جوهري، إذ يصر النظام على أن “سورية لديها دستور وبرلمان وجيش ومؤسسات”، وأن مهمة اللجنة إجراء تعديلات فقط على الدستور الذي وضعه النظام في عام 2012 ويعتبره “عصرياً”.

من جهتها، تريد المعارضة كتابة دستور جديد وفق ما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة، على أن تجري على أساسه انتخابات.

وحاول المبعوث الأممي تحقيق تقدم ما، في الجولة السادسة التي عقدت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أنها جاءت مخيبة للآمال، وفق وصف بيدرسن نفسه.

وكان من المؤمل البدء فعلاً في تلك الجولة، بصياغة مواد الدستور، إذ قدم وفد المعارضة السورية أوراقاً تخص “الجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات”، فيما قدم وفد المجتمع المدني ورقة تخص مبدأ “سيادة القانون”، بينما قدم وفد النظام ورقتين عن “السيادة” و “الإرهاب”.

وتجنّب وفد النظام مناقشة الأوراق التي قدمتها المعارضة السورية، وهو ما أدى إلى إفشال تلك الجولة.

ومنذ ذلك الحين، يحاول المبعوث الأممي عقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية، إلا أن هذه المحاولات تصطدم برفض واضح من النظام الذي يبدو أنه غير مكترث بالتوصل لحل سياسي ربما يكون مقدمة لانهياره.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى