في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام المنصرم، اعتبر الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله أن المملكة العربية السعودية “افتعلت” الأزمة مع لبنان للضغط على “المقاومة”، كرد فعل على المكاسب التي حققها الحوثيون على حساب القوات المدعومة من السعودية في معركة مأرب في اليمن. وهو قال آنذاك إن “الضغوط لن تنجح، وإن سقوط المدينة في آخر الأمر ستكون له تداعيات كبيرة جداً”.
في خطابه الأحدث في ذكرى اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في بغداد قبل عامين، شن نصر الله حملة على السعودية تعتقد غالبية السياسيين أنها مرتبطة بالتراجع المخيف عن “الانتصار” الذي كان يتم الإيحاء بأنه وراء الأبواب، بعدما كان نصر الله قد استشهد آنذاك بموقف لمركز دراسات الشرق الأدنى في واشنطن من أن سقوط مأرب سيشكل ضربة قوية للمملكة.
إذاً، نقطة الانطلاق أنه كما تم الربط بين موقف السعودية من كلام الوزير جورج قرداحي والضغط لاستقالته والإحراج السعودي في اليمن، بحسب رأي نصر الله، فإن تصعيد نصر الله يرتبط بالخسارة الحوثية والتراجع الإيراني في اليمن، في موازاة التصديق النهائي على نتائج الانتخابات في العراق وعدم تسجيل أي نجاح في لبنان، بل الاضطرار الى التخلي عن قرداحي وعدم النجاح في الصفقة الفضيحة الأخيرة لتطيير المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، فيما يصعّد حليفه المسيحي لابتزازه في تغطيته له. ولكن الأهم هو الحرب في اليمن التي سجلت تحولاً ملحوظاً في الأسابيع الأخيرة لمصلحة التحالف، في ظل خسائر كبيرة للحوثيين لا يمكن تجاهلها.
الانتصار الذي تم التعويل عليه في اليمن ابتعد ولم يعد وارداً ولم يعد يمكن انتظاره إذاً، في الوقت الذي لم تعد تسمع أي أصوات لتقدم الحوثيين ميدانياً. الإشكالية التي أثارها الأمين العام للحزب في إطلالته الأخيرة كانت نافرة ومنفرة جداً من حيث تظهير الخطاب الإيراني، أو بالأحرى اللسان الإيراني، في حين أن الإيرانيين غارقون الى أذنيهم في المفاوضات مع الأميركيين والدول الغربية في فيينا، ويطلقون مواقف إيجابية من التحاور مع المملكة السعودية التي وجهت مؤشرات إيجابية كذلك في اتجاه إيران.
فالمانيفست الذي أعلنه نصر الله أبرز مشروعاً إيرانياً كلياً على نحو استهانته بلبنان وفي أي صراع يزج به ولأي حساب، على الأقل في الشق المتعلق بالمملكة السعودية. وهذا يفتح باباً آخر للتساؤل عما إذا كانت زيارة وزير الخارجية الكويتي لبنان خلال الشهر الجاري، بحسب ما كان وعد به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ستبقى قائمة في أجواء التصعيد الجديد. فالحملة على المملكة قد لا تبقي على فتور العلاقات الخليجية اللبنانية على حاله، بل ربما تدفعها خطوة أو خطوات الى الوراء، لا سيما أن الكويت كانت سابقة الى إعلان إجراءات دبلوماسية إزاء لبنان ربطاً بالمواقف التي أطلقها وزير الإعلام اللبناني الذي استقال أخيراً. ولذلك برزت تساؤلات عما إذا كان التصعيد مرتبطاً أيضاً بالتغطية على ما يجري من مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، فيما طهران محرجة بذلك في الوقت الذي تفرض عليها ذكرى سليماني إدانة الولايات المتحدة لا التحاور معها. وهي دانت الإدارة الأميركية السابقة، مطالبة بمحاكمة الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، ولكنها واصلت التحاور مع الإدارة الأميركية.
وهذه الازدواجية تحرج إيران أمام الرأي العام لديها وجمهور امتداداتها في المنطقة، فتبرز الحاجة الى التصعيد الذي ينحو بالأنظار الى مكان آخر ويفتح معارك على جبهات سياسية متعددة للتعمية على ما يجري على جبهات واقعية، عسكرية كانت أو دبلوماسية.
والتوجه المباشر الى العاهل السعودي يهدف، وفق ما يرى مراقبون سياسيون، الى محاولة النيل من هيبة المملكة، لا سيما في ظل ما نقل من كلام للملك سلمان بن عبد العزيز عن ضرورة تخليص المسؤولين اللبنانيين لبنان من نفوذ “حزب الله الإرهابي”، علماً أن المملكة سبق أن صنّفت الحزب إرهابياً وكذلك الدول الخليجية، شأن دول عدة تتقدمها الولايات المتحدة. وهو ما حاول الرئيس اللبناني ميشال عون أن يظهر مسؤولية الدول الخليجية في هذه المسألة مع وقوفه الى جانب “حزب الله” بقوله إنه يريد علاقات جيدة مع الدول الخليجية، ولا سيما مع المملكة السعودية، ولكن “ليكن الحرص على علاقات لبنان متبادلاً”. وهو أمر من شأنه أن يترك مفاعيله في ظل تمايز الموقف بينه وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أصدر بياناً عالي النبرة ضد الحزب الذي رد عليه في المقابل، في الوقت الذي توالت الردود على خطاب نصر الله، فيما لم ير أصحابها من رؤساء سابقين ونواب وسياسيين مناسبة أو سبباً فعليين لأن يهاجم السعودية، اللهم باستثناء زج لبنان أكثر في صراعات المنطقة لحساباته، جنباً الى جنب مع إيران، المتعلقة بالمنطقة خاصة، والتسبب بالمزيد من التوتر مع المحيط العربي.
ولا تقل أهمية التأثير السلبي لهذا التصعيد في السعي الى إبقاء الدول الخليجية بعيدة من لبنان، ما يساهم في استمرار الاستئثار الإيراني ونفوذ الحزب في المؤسسات اللبنانية، والذي يبدو الجهد جدياً في إسباغه أكثر فأكثر على لبنان، استناداً الى تعليق الصور المفرطة في الضخامة على الطريق المؤدية الى مطار بيروت في استقبال زوار العاصمة اللبنانية من المغتربين أو سواهم من السياح.
المصدر: النهار العربي