يبدو أن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قد كشف “كلمة السر” في زيارته الاخيرة الى العاصمة الايرانية طهران واللقاءات التي عقدها مع نظيره الايراني حسين أمير عبداللهيان ورئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي.
السندباد البغدادي لم يتردد بان يقول لمستضيفه الايراني بان أزمته في المفاوضات النووية وانعكاساتها السلبية على الأوضاع الاقتصادية الداخلية نتيجة استمرار العقوبات قد وصلت الى مرحلة دقيقة وحساسة، باتت تهدد ما حققته الاذرع الايرانية في الإقليم. وان المخرج من هذا النفق يمر بحتمية استخدام كلمة السر وأن يقال للابواب المغلقة بين طهران وواشنطن “افتح يا سمسم”، لتبدأ بعدها جلسات الحوار المباشر بين الغريمين الحميمين، او الصديقين اللدودين. وتنتفى الحاجة بعدها لوسطاء سعاة بريد اوروبيين او شرقيين او اقليميين ينقلون مواقف الطرفين وآراءهم في كل الملفات المطروحة على طاولة التفاوض، ويدير كل واحد من هؤلاء الوسطاء دفة الامور بالاتجاه الذي يخدم مصالحه.
لعل أحداً من المسؤولين الدوليين او الاقليميين الذين زاروا طهران على مدى السنوات الماضية، كان كلامه وفي مؤتمر صحافي مع نظيره الايراني، بهذه العلانية والسقف المرتفع، وهو المعروف بصراحته وجرأته في قول ما يعتقده وما يؤمن به، ولم يتردد سابقا في تحميل النظام الايراني مسؤولية ما يجري من احداث في العراق نتيجة تصرفات واعمال الفصائل الموالية لايران. خاصة وانه يطمح في استمرار الثقة الايرانية – السعودية التي سمحت للعراق بان يلعب دور الوسيط أو المستضيف لجلسات الحوار التي جرت بين الطرفين، وان يرسل اشارة حول امكانية عقد جولة جديدة بينهما في المرحلة المقبلة. لكنه عاد واشترط لنجاحها وتثميرها بالشكل المطلوب والوصول الى نتيجة تنهي حالة التوتر بين الطرفين، ان تكون لاحقة لفتح حوار مباشر بين طهران وواشنطن، كخطوة استراتيجية على الطرف الايراني القيام بها، لان الجانب الامريكي سبق ان أبدى ولعدة مرات رغبته واستعداده على لسان أكثر من مسؤول، كان اخرهم مندوب الادارة للملف الايراني روبرت مالي، للجلوس والتفاوض المباشر مع الايرانيين.
ان يضع الوزير العراقي الاصبع على الجرح او مكمن الوجع والالم، فهو ما لا تنكره طهران، وتحديدا الدولة العميقة بجناحيها قيادة النظام والمؤسسة العسكرية والامنية. وتدرك ايضا بان التمسك بالشروط التي وضعتها، والاوراق التي قدمتها ووضعتها على طاولة التفاوض في الجولة السابعة في فيينا، وعلى اهميتها، تبقى خطوة ناقصة ما لم تكن مقرونة بفعل سياسي يوازيها او يتقدم عليها، ويشكل السياج الذي يحصنها ويضمن تنفيذها، سواء كانت هذه الاوراق تؤكد على الجانب الحقوقي او التعاون الاقتصادي.
لقد قبلت دول الترويكا الاوروبية المشاركة في المجموعة الدولية (4+1) ومعها الحليفان الصيني والروسي بالتوصيف الايراني القانوني والحقوقي للتصرف الامريكي وقرار الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، وقد سعت هذه الدول ومعها مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني حينها لاقناع الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب بعدم الذهاب الى خيار الانسحاب واعادة العقوبات ضد ايران. ولم تتردد في الذهاب الى وضع معالجات عملية لموضوع العقوبات من خلال ايجاد آلية مالية تسمح لهذه الدول الالتفاف على الاجراءات الامريكية. الا ان البعد القانوني ومحاولات المعالجة الاقتصادية لم تنتج خطوات عملية، على الرغم من الاعتراف بالحق الايراني. وبالتالي فان السبيل لحل الازمة وفتح الطريق امام عودة الامور الى طبيعتها يمر بالسياسة والقبول بمبدأ التفاوض المباشر الذي يؤسس للخروج من هذا النفق الذي ادخل ايران في ازمات متراكمة ومركبة، وادخل العواصم الاوروبية والدول الحليفة في دوامة البحث عن مخارج تسمح بتجاوز التصعيد الامريكي الهادف أساساً لاعادة ايران الى طاولة التفاوض المباشر والثنائي.
ان يتمسك النظام الايراني بالحق القانوني والحق في التعامل الاقتصادي مع العالم، وان يعمل على تحصين هذه الحقوق في اي نص اتفاق او تفاهم قد يتوصل له مع المجتمع الدولي وتحديدا من الادارة الامريكية، فانه يبقى عرضة لتهديد التعطيل والنقض في اي لحظة ترى فيها هذه الادارة تعارضاً بين مصالحها ونصوص هذه الاتفاقيات او التفاهمات، ولن تتردد بالذهاب الى الخيار الذي ذهب اليه ترمب، وعليه تصبح الضمانات المطلوبة التي تتمسك بها طهران غير ذات موضوع او اهمية.
امام هذه الحقائق، يبدو ان النافذة المطلوب ان تفتحها طهران في المرحلة المقبلة ومع انطلاق الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا يوم الاثنين المقبلة، هي ان تتخلى عن المثالية في التعامل مع الحقائق الدولية، وان تعود الى المسار الذي افتتحه علانية الفريق المفاوض السابق بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وان يلاقي الرغبة الامريكية في الجلوس مباشرة الى طاولة مفاوضات وجها لوجه مع الادارة الامريكية، بحيث تضمن الوصول الى نتائج عملية ونهائية وتؤسس لمرحلة جديدة من التعامل الايجابي في جميع الملفات والازمات من النووي الى الصاروخي وصولا الى اعادة تنظيم النفوذ الاقليمي وترسيم موازين القوى في المنطقة، بحيث تضعها على سكة الحلول لجميع ازماتها.
من المفترض ان يصل المفاوض الايراني الى قناعة بان الاتفاق النووي اشكالية سياسية وبحاجة الى واقعية سياسية لا تعطي للايديولوجيا موقعاً متقدماً في تحديد مساراتها، بل محكومة بالمصالح العليا والاستراتيجية، الأمر الذي يسمح له باتخاذ خطوة جريئة تعيد وضع ايران على الخريطة الدولية وتقطع الطريق على عزلها او وضعها في دائرة التهديد الدائم والمستمر في امنها واستقرارها ومصالحها واقتصادها. وهو على ما يبدو، ما قصده الوزير العراقي “السندباد البغدادي” والكلام عن ضرورة الحوار المباشر بين طهران وواشنطن، وقد يكون معبرا عن رغبة ايرانية تجد صعوبة في التعبير عن نفسها، وتحتاج الى من يساعد على اخراجها الى العلن بحيث يقدم لها المسوغ الذي يسمح لها بالالتفاف على الموقف الايديولوجي والسقف العالي الذي الزمت به نفسها في المرحلة الماضية.
المصدر: المدن